لا أمة بدون أخلاق ولا أخلاق بغير عقيدة

"لا تمنع الخير عن أهله متى استطعت أن تفعله"، بهذه الحكمة النافعة أفادنا سليمان الحكيم؛ وزادنا جمال الدين الأفغاني نفعا بقوله "لا أمة بدون أخلاق، ولا أخلاق بغير عقيدة، ولا عقيدة بغير فهم"؛ وفي هذا التوجه الصائب والسليم قيل "ما لا ترضاه لنفسك، لا تصنعه لغيرك، فإن في ذلك العدل وفي العدل رضى الله تعالى ورضى الناس"، وهذا متجاوب مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ومن أقوال الحسن البصري "من أخلاق المؤمن قوة في دين، وحزم في لين، وحرص على العلم، وقناعة في فقر، واعطاء في حق وبرّ في استقامة وفقه في يقين، وكسب في حلال".

لا شك أن "الأخلاق نتاج المجتمع، أجل: ولكن لا معنى لها إذا هي لم تتجاوزه تساميا به أو تحديا له". يقول "مونتسكيو" "إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل من الرجال فضع في يده سلطة أو مالا ثم انظر كيف يتصرف".

من الحوارات البليغة هذا الحوار بين رجل وهارون الرشيد، قال الرجل لهارون الرشيد "يا أمير المؤمنين إني رغبت أن أعظك بعظة فيها بعض الغلظة فاحتملها" قال هارون الرشيد "كلا، فإن الله أمر من هو خير منك أن يلين القول لمن هو شر مني، إذ قال تعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما أرسله إلى فرعون "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" "طه آية 44". قال جمال الدين الأفغاني "من عجز عن إصلاح نفسه، كيف يكون مصلحا لغيره".

في المثل الهندي "الرجل الفاضل ينبغي أن يتمثل بشجرة الصندل التي عندما تقطع تعطر بأريجها الفأس التي تقطعها"، قيل "حسن الخلق خير قرين والأدب خير ميراث والتوفيق خير قائد"، من أقوال ابن عباس "لكل بنيان أساس وأساس الإسلام حسن الخلق"، قال معروف الرصافي:

"هي الأخلاق تنبت كالنبات
إذا سقيت بماء المكرمات".

لكن كثير من الناس نزعوا عنهم ثوب محاسن الأخلاق، "كثيرون هم الذين يتكلمون كالبحر أما حياتهم فشبيهة بالمستنقعات"، و"كثيرون هم الذين يرفعون رؤوسهم فوق قمم الجبال أما تفوسهم فتبقى هاجعة في ظلمة الكهوف"، وأن "بعض الناس يسمعون بآذانهم والبعض ببطونهم والبعض بجيوبهم والبعض لا يسمعون أبدا".

"إذا بلغ المرء في الدنيا فوق مقداره تنكرت أخلاقه للناس". يقول "جورج كورتين" "إذا كان ينبغي لنا أن لا نتسامح مع الآخرين بما نسمح به لأنفسنا فلن تعود الحياة تطاق" ولهذا "من ضاق خلقه مله أهله" و"من دخل مداخل السوء اتهم"، يقول الشاعر عن الناس:

"يقولون الزمان به فساد
وهم فسدوا وما فسد الزمان".

يقول "توماس بين" "الصيت هو ما يعرفه الناس عنا أما الخلق فما يعرفه إلا الله". في المثل الانجليزي "السمعة الطيبة خير من ذهب" يقول "شورتز" "المثل العليا كالنجوم لن تستطيع أن تلمسها بيدك ولكنها كالمقاديم من البحارة تتخذها مرشدا لك، وتتبعها حتى تدرك غايتك"؛ قال عمر بن الخطاب "حسب المرء ماله وكرمه دينه وأصله عقله ومروءته خلقه".

من آداب السلوك قيل "على المرء أن يعرف قدره" و"من حسنت خصاله طاب وصاله" و"السلوك الحسن يدعو إلى الاتقان في العمل، والإجادة في الصناعة، والحض على الخير مع الغير"، ولهذا "سيرة المرء تنبئ عن سريرته"؛ قال جمال الدين الافغاني "لو يحاسب الإنسان نفسه كما يحاسب غيره، لقل خطؤه وقرب من الكمال".

متى يدفع ابن هذا العصر الأذى بالعفو، والعدوان بالإحسان مهما كان دينه أو جنسه أو مجتمعه؟ ومتى يفعل ما يسره عاجله وينفعه آجله؟ ومتى يبتغي الخير ويتقي الشر؟ ومتى يعمل الخير لأصدقائه حتى يزيدونه محبة ويعمل الخير لأعدائه ليصبحوا أصدقاءه؟

يا ليت الناس يسمعون قول أبي العتاهية في صنع الجميل مع الناس "وارض للناس بما ترضى به.. واتبع الحق فنعم المتبع". ففي المثل الياباني "الأيام صحائف الأعمار فخلدوها بأحسن الأعمال" ويقول "بليز باسكال" "من يعمل الخير من أجل الخير فهو إنسان ومن يعمل الخير لكي ينال جزاءه فهو نصف إنسان". وجاء في الحكمة الصينية القديمة "الخير يقهر الشر كما يروّض الماء النار، وإذا كان كأس الماء لا يكفي لإطفاء حريق فإنه لا ينبغي الاستنتاج أن الماء عاجز أمام النار". وقال علي بن أبي طالب "فاز من سلم من شر نفسه".

إذن كما قيل في الحديث النبوي "قل آمنت بالله ثم استقم"، يقول أمين الريحاني "أريد أن أعيش دون أن أبغض أحدا، وأحب دون أن أغار من أحد وأرتفع دون أن أترفع عن أحد، وأتقدم دون أن أدوس من هم دوني، أو أحسد من فوقي".

تسلم يا خالد