العمر : 51 تاريخ التسجيل : 21/12/2009 عدد المساهمات : 262 نقاط : 5913
موضوع: قصة الاسلام فى مصر/لازم كل مصرى يعرف القصه الإثنين يوليو 26, 2010 7:59 am
قصه الاسلام فى مصر
كانت مصر تابعة للدولة الرومانية، وبعد انقسامها تبعت الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، وانتصر عليها الفُرس فدخلوا مصر.
وعند انتهاء المسلمين من فتح الشام كان قائد الروم قد هرب إلى مصر قُبيل فتح المسلمين لبيت المقدس، وبدأ يحشد جنود الروم لقتال المسلمين، فرأى عمرو بن العاص t أن على المسلمين أن يُوقِعوا بالروم قبل أن يستفحل أمرهم، فحاصر حصن بابليون، واستطاع الزبير بن العوام t أن يدخل الحصن، فعقد المقوقس معاهدة مع المسلمين على الرغم من دخولهم مصر عَنْوة، وبمقتضى هذه المعاهدة دخل كثير من المصريين في دين الله.
عانى الشعب المصري من الظلم والاضطهاد؛ لذا رحّب بالمسلمين، وأعاد المصريون بناء الكنائس التي خرَّبها الفرس أثناء احتلالهم لمصر، وأرسل عمرو بن العاص t قوةً إلى الصعيد والفيوم ودمياط وتِنِّيس، ثم سار إلى الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح زويلة، واتجه نحو بلاد النوبة ففتحها.
فظلَّت مصر تابعة للخلافة الإسلامية، حتى خرجت مصر عنها تحت مسمى الدولة الطولونية، ثم الإخشيدية، ثم العبيدية (الفاطمية)، فالأيوبية، فدولة المماليك، ثم خضعت للخلافة العثمانية حتى خروجها مرة أخرى على يد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر الميلادي.
شيَّد عمرو بن العاص t الفسطاط وجامعه، وعُرف بتاج الجوامع، وبالجامع العتيق، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان تم تجهيز أسطول ضخم، واستطاع المسلمون أن يحطموا السيادة البيزنطية في البحر المتوسط؛ إذ قَدِم أسطول لغزو الإسكندرية، فخرج الأسطول المصري لصدهم، وبعث معاوية بن أبي سفيان t أسطوله، وتقابل الأسطولان مع الأسطول البيزنطي في معركة ذات الصواري؛ وكان القتال عنيفًا بين الطرفين، إذ ربطوا السفن الإسلامية بالسفن البيزنطية، ثم اتخذوا من السفن ميادين قتال، وبذلك حقق المسلمون أول انتصار بحري في الإسلام.
وفي عصر الولاة اهتم حكام مصر بكافة شئونها، ثم أصبحت مصر إمارة عثمانية، ثم احتلتها إنجلترا، وفي مطلع القرن العشرين ظهرت مجموعة من القوى السياسية، حاملة جذوة النهضة للأمة المصرية -وإن كانت تحت الاحتلال الإنجليزي- فكان الحزب الوطني.
أما فترات التدهور والاضطرابات فكانت الفتنة في عهد عثمان بن عفان، وفي نهاية عصر الدولة الطولونية، ثم العبيديون يحوِّلون مصر لدولة شيعية، وبعد صلاح الدين البيت الأيوبي في صراع، وأخذت دولة المماليك الجراكسة تمر بحالة ضعف شديد في بدايات القرن العاشر الهجري؛ ثم فترة الضعف في عهد الدولة العثمانية.
الفتح الإسلامي لمصر
أصبحت مصر ولاية رومانية تابعة مباشرة للدولة الرومانية منذ عام 31 ق.م، حين استولى الرومان عليها وقضوا على حكم البطالسة فيها[1]، واتخذها الإمبراطور أغسطس قيصر مخزنًا يُمِدّ روما بحاجتها من الغلال.
وقد اتصف الحكم الروماني بالتعسف، فظلَّت مصر تحت الحكم الروماني ما يزيد على أربعة قرون، وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية عام 395م، أضحت مصر تابعة لسيادة الإمبراطورية البيزنطية الشرقية؛ ولأن مصر كانت تحت الحكم المركزي البيزنطي، فإنها كانت تتأثر تأثرًا مباشرًا بما كان يحدث في البلاط البيزنطي من صراعات ومؤامرات، وكانت هزيمة الإمبراطورية البيزنطية من الفُرس في آسيا الوسطى والبلقان سببًا من الأسباب المباشرة لدخول الفرس مصر، وسقوط الإسكندرية عام 619م[2].
بدأت الفتوحات الإسلامية في عهد الصِّدِّيق t، واستمرت في عهد الفاروق t؛ فعندما فرغ المسلمون من فتوح الشام، وانتهى عمرو بن العاص t من فتح فلسطين، طلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أن يسير إلى مصر للفتح، وقد استطاع عمرو إقناع عمر بن الخطاب بفتح مصر، في لقاء الرجلين سنة ثماني عشرة من الهجرة بالجَابية، وكان عمر بن الخطاب حَرِيًّا بالاقتناع، حتى لا تكون أرض الشام معرّضة لخطر مهاجمتها من الروم شمالاً، وجنوبًا من مصر عن طريق سيناء البريّ، وغربًا من بحر الروم، وبخاصة أن (أرطبون) قائد الروم في فلسطين، قد هرب من فلسطين ولحق بمصر قُبيل فتح المسلمين لبيت المقدس، وقد اصطحب معه جيشًا من جيوش الروم، وكان يحشد جنود الروم في مصر لقتال المسلمين في حالة محاولتهم فتح مصر، أو يحاول استعادة فلسطين، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، فرأى عمرو بن العاص أن على المسلمين ألاَّ يضيِّعوا الوقت سُدًى دون مسوِّغ، وأن يُوقِعوا بالأرطبون وقوات الروم قبل أن يستفحل أمرهم، وقد أيّده الفاروق عمر بن الخطاب، المعروف بتفكيره الحصيف المتميّز[3]، ثم أمدَّه بالزبير بن العوام، ومعه بُسر بن أبي أرطاة، وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجمحي، فاتجه عمرو إلى حصن بابليون وضيَّق عليه الخناق بضعة أشهر، وعندما طال وقت القتال، أرسل المقوقس برسالة إلى عمرو يتهدده فيها ويتوعده؛ إذ الروم مؤيدون للمقوقس، وهم قوة معه على قوته في مواجهة عمرو ومَن معه، لكن عمرو بن العاص أرسل للمقوقس قائلاً: "ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، إمّا أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا، وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال، حتى يحكم الله بيننا وهو أحكم الحاكمين"[4].
ابن العاص يجسد سماحة الإسلام
بعد أن تبين للمقوقس عجز البيزنطيين عن الوقوف ضد المسلمين، وافق على عقد الصلح بشرط موافقة الإمبراطور عليه، ومع رفض الإمبراطور البيزنطي للصلح مع المسلمين، وحثه المقوقس على محاربتهم، هاجم المسلمون الحصن بالمجانيق، واستطاع الزبير بن العوام t أن يدخل الحصن ببسالة فائقة منه، وتبعه المسلمون عام 20هـ/ 641م، فاضطر المقوقس إلى عقد معاهدة مع عمرو بن العاص t، وبمقتضى هذه المعاهدة دخل كثير من المصريين في دين الله، ومن بقي منهم على دينه كان يدفع الجزية التي أقرها الصلح[5].
كان من الممكن لعمرو أن يرفض الصلح؛ لأنَّ المسلمين قد دخلوا الحصن عَنْوة، ومن ثَمَّ فأرض مصر من حق المسلمين الفاتحين، ولكن المسلمين لم يكونوا يومًا ساعين إلى مغانم دنيوية، ولا إلى رغبة في التملك على حساب توصيل دعوة الإسلام إلى الناس برفق؛ لذا آثر المسلمون أن يعتبروا فتح مصر صلحًا، لتبقى من حق أهلها.
فرحة مصرية بالفاتح الإسلامي
لم يكن الشعب المصري -في ذلك الوقت- محبًّا للرومان؛ لذا فإنَّ الحقائق التاريخية تؤكد ترحيب المصريين بالمسلمين، ومساعدتهم في أثناء فتحهم لمصر، كما تؤكد أيضًا رحمة المسلمين وعدلهم مع أهل مصر، وحماية حرياتهم وعقائدهم؛ فبنيامين بطريرك الكنيسة القبطية، قد فرَّ من الروم لبغضهم مذهبه، وبطشهم به وبسائر المسيحيين، وعندما سمع عمرو بن العاص t بقصته كتب إليه أمانًا، فعاد بعد غيبة طويلة إلى كرسيه في الإسكندرية، وبالغ عمرو في الحفاوة به، والتسامح معه، ومنحه الحرية ليشرف على الكنائس، وفي ولاية عمرو بن العاص t أعاد بنيامين بناء الكنائس التي خرَّبها الفرس أثناء احتلالهم لمصر[6].
أرسل عمرو بن العاص t قوةً إلى الصعيد بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح بناءً على أوامر الخليفة ففتحها، وكان الوالي عليها، كما أرسل خارجة بن حُذافة إلى الفيوم ففتحها وصالح أهلها، وأرسل عمير بن وهب الجمحي إلى دمياط وتِنِّيس وما حولهما؛ فصالح أهل تلك الجهات، ثم سار عمرو بن العاص إلى الغرب، ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح زويلة، واتجه نحو بلاد النوبة ففتحها[7].
مصر ولاية إسلامية
أصبحت مصر -بعد فتح عمرو بن العاص لها- ولاية إسلامية أصيلة، تابعة للدولة الإسلامية؛ فظلَّت تابعة للخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، حتى بدأت حركة استقلالية جديدة لم تشهدها الدولة الإسلامية من قبل، فاستقلت مصر تحت مسمى الدولة الطولونية، ثم الإخشيدية، ثم العبيدية (الفاطمية)، فالأيوبية، فدولة المماليك، ثم خضعت للخلافة العثمانية حتى استقلالها على يد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر الميلادي.
وفي كل حقبة إسلامية من هذه الحقب شهدت مصر عهود قوة، وعهود ضعف، فكانت مصر في قمة المنحنى التاريخي والحضاري في عهد ولاة الخلفاء الراشدين: كعمرو بن العاص (19- 25هـ/ 640- 646م)، (39- 44هـ/ 659- 664م)، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح (25- 35هـ/ 646- 656م).
وفي عهد الدولة الأموية: عبد العزيز بن مروان بن الحكم (65- 86هـ/ 685- 705م)، وفي عهد العباسيين: أحمد بن طولون (254- 270هـ/ 868- 884م)، وفي عهد الإخشيديين: محمد بن طغج الإخشيد (323- 334هـ/ 935- 945م)، وكافور الإخشيدي (355- 357هـ/ 966- 968م).
وفي عهد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي (569- 589هـ/ 1174- 1193م)، وفي دولة المماليك في عهد سيف الدين قطز (657- 658هـ/ 1259-1260م)، وركن الدين بيبرس (658- 676هـ/ 1260- 1277م)، والمنصور سيف الدين قلاوون (678- 689هـ/ 1279- 1290م)، والأشرف سيف الدين قايتباي (872- 901هـ/ 1468- 1496م)، وفي الدولة العثمانية في عهد مراد بن سليم (982- 1003هـ/ 1574- 1595م)، وإبراهيم الثاني (1050- 1058هـ/ 1640- 1648م).
d]فترات قوة الدولة الإسلامية بمصر
شرع عمرو بن العاص t في غرس بذور الحضارة الإسلامية في مصر وبسط جناح الإسلام في أرجائها، وكان أول عمل قام به تأسيس مدينة الفسطاط ليجعلها حاضرة البلاد ومقر الحكم. وقد قيل: إن عمرو بن العاص أراد بعد فتحه مدينة الإسكندرية أن يتخذها عاصمة له، كما كانت من قبل منذ الإسكندر الأكبر حتى نهاية العصر البيزنطي في مصر، وكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك، ولكن الخليفة رفض، وكتب إلى عمرو قائلاً: "إني لا أحب أن تُنزِل المسلمين منزلاً يحول الماء بيني وبينهم في شتاء وصيف". وكان من الطبيعي أن يختار عمرو عاصمة مصر في نقطة برية سهلة الاتصال مع بلاد العرب، وفي موضع متوسط يمكن من خلاله أن يلاحظ قسمي البلاد المصرية شمالاً وجنوبًا؛ ليسهل عليه حكمها منه.
وكان موضع الفسطاط فضاء ومزارع بين النيل والمقطم، ولم يكن في هذا المكان من البناء سوى حصن بابليون الذي كانت تنزل به الحامية البيزنطية[8].
مؤسس الحضارة الإسلامية في مصر
وقد شيَّد عمرو بن العاص أول جامع بمصر سنة 21هـ في الفسطاط، والذي كان يمثل ظهور الإسلام في مصر وانضواءها تحت الحكم الإسلامي، وقد عرف هذا الجامع في عهد ازدهاره بتاج الجوامع، ثم عرف بعد أن تقادم به الزمن بالجامع العتيق، ويقع شمالي حصن بابليون، وقد أصبح هذا الجامع منارًا ساطعًا للعلم والثقافة، يحكي تاريخ مصر الإسلامية عبر العصور إلى اليوم[9].
وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان t (23- 35هـ/ 643- 655م)، بدأ المسلمون في تجهيز أسطول ليقضي على أي هجوم من ناحية البحر، ويقوم بالجهاد ضد أملاك البيزنطيين، وقد أُسنِد بناء هذا الأسطول إلى العناصر الخبيرة في البلاد المفتوحة في كل من مصر والشام، وبخاصة إلى القبط الذين أسهموا بنصيب وافر في بناء الأسطول الإسلامي، بحيث لم تأت سنة (33هـ/ 654م) حتى كان للمسلمين أسطول ضخم، استطاعوا به أن يحطموا السيادة البيزنطية في البحر المتوسط، ويستولوا على بعض جزره[10].
ذات الصواري.. أول نصر بحري للمسلمين
وفي سنة 34هـ/ 655م، قدم أسطول لغزو الإسكندرية بقيادة الإمبراطور قنسطانز الثاني لاسترداد مصر من المسلمين، وكان والي مصر آنذاك هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح من قبل الخليفة عثمان بن عفان، فخرج عبد الله بن سعد على رأس الأسطول المصري لصد خطر البيزنطيين، وفي الوقت نفسه بعث معاوية بن أبي سفيان أسطوله بقيادة بسر بن أبي أرطاة للتعاون مع الأسطول المصري، وتقابل الأسطولان مع الأسطول البيزنطي بقيادة قنسطانز الثاني في فونكس على ساحل ليكيا جنوبي آسيا الصغرى في معركة عرفت باسم ذات الصواري لكثرة صواري السفن، وقد كان القتال عنيفًا بين الطرفين، وفي هذه المعركة حوَّل المسلمون القتال البحري إلى اشتباك وجهًا لوجه، إذ ربطوا السفن الإسلامية بالسفن البيزنطية، ثم اتخذوا من ظهر السفن المتلاحمة ميادين قتال أشبه بميادين البر، وبذلك حقق المسلمون أول انتصار بحري عظيم في الإسلام، وصفه المؤرخون بأنه اليرموك الثانية. وعلى أية حال، لم يستغل المسلمون هذا النصر ليندفعوا إلى القسطنطينية، وربما يرجع السبب في ذلك إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان الذي حدث في ذلك الوقت[11].
عصر الولاة
وعندما تولى عبد العزيز بن مروان (65- 86هـ/ 684- 705م) عامل الأقباط معاملة طيبة، ولما بنى مدينة حلوان واتخذها عاصمة له بدلاً من الفسطاط، نقل إليها بيت المال، وكان الأمين عليه رجلاً قبطيًّا، وطلب عبد العزيز إلى الأقباط أن يبنوا لهم دورًا بمدينته الجديدة، ولكي يحبِّب إليهم سُكناها أمر البطريرك ببناء كنيسته فيها[12].
وفي عصر الولاة اهتم حكام مصر بشئونها الاقتصادية، فأولوا عنايتهم بالزراعة عقب الفتح مباشرة، وعملوا على زيادة الغلاّت والمحاصيل، واهتموا بشئون الري، ولهذا أقاموا مقاييس للنيل لمعرفة الزيادة والنقصان في مياهه، فبنى مسلمة بن مخلد مقياسًا في جزيرة الروضة، وبنى عبد العزيز بن مروان مقياسًا بحلوان، وأقام أسامة بن زيد التنوخي عامل الخراج بمصر في خلافة سليمان بن عبد الملك (96- 99هـ) مقياسًا كبيرًا بالروضة سنة 97هـ[13].
أتى عبد الله بن طاهر قائد الخليفة المأمون من الشام إلى مصر في سنة (211هـ/ 825م)، فأعاد الهدوء والاستقرار اللذين فقدتهما مصر أثناء الفتنة التي حدثت بين الأمين والمأمون، والتي وصلت جذوتها بين رجالات مصر الذين تحاربوا فيما بينهم للاستئثار بسلطة مصر، وعندما وصل عبد الله بن طاهر إلى مصر، استطاع أن يقضي على الفتن الداخلية، ويردّ الخارجين إلى طاعته، ثم توجه إلى الإسكندرية وحاصر الأندلسيين بها، فاضطروا إلى الجلاء عنها على مراكب أعدها لهم عبد الله، وقصدوا إلى جزيرة تكريت، وكانت في أيدي البيزنطيين فاقتحموها، ونزلوا بها سنة 212هـ/ 827م، وأسسوا بها دولة زاهرة استمرت نحو قرنٍ وثلث، إلى أن استعاد البيزنطيون الجزيرة من المسلمين فيما بعد[14].
أحوال مصر الحضارية في عصر الولاة
من أهم مميزات عهود القوة في تاريخ مصر الاهتمام بالعمران والصناعة والزراعة، ورعاية الشعب، والعناية بالفقراء والمحتاجين، وتقوية الجيوش، ورعاية العلماء وطلاب العلم؛ فعندما خرج المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الدين الإسلامي، كانوا يعلمون أنهم سيفتحون بلادًا عرفت الحضارة منذ آلاف السنين، وما كاد الفتح الإسلامي لمصر يتمّ، حتى أدرك المسلمون أنهم أمام شعب أصيل مستقر، فعاملوه باحترام، ولم يتعرضوا لعقيدته وتقاليده، واستوعبوا حضارته وحضارة شعوب الأقطار المفتوحة الأخرى، واستفادوا منها في تأسيس حضارة جديدة، هي الحضارة الإسلامية أعظم ما عرفته البشرية في العصور الوسطى.
أحمد بن طولون
وقد استغل أحمد بن طولون إمكانات مصر البشرية أحسن استغلال، ويُعَدّ عهدُه البداية الحقيقية لمصر الإسلامية، لما بلغته من نجاح في أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والأساليب الفنية، وفي عهده أيضًا تفوقت مصر ماديًّا ومعنويًّا على حكومة الخلافة العباسية التي اضطرت للاعتماد على مصر، وشعر الناس في عهد ابن طولون بالرفاهية والاستقرار والرخاء، بصورة لم نجدها في إقليم آخر في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، ويكفي أنه صار حاكمًا على دولة واسعة شملت مصر إلى النوبة جنوبًا، وامتدت غربًا إلى برقة، وشملت الشام أيضًا[15].
وهو أول من جمع له بين مصر والشام في الإسلام، وخير تعبير عن وضع مصر في أيام أحمد بن طولون ما قاله القلقشندي: "وفي أيام أحمد بن طولون عَظُمَ شأن مصر، وعلا قدرها، وانتقلت من الإمارة إلى الملك"[16].
أسس أحمد بن طولون مدينة جديدة سنة 256هـ/ 870م على جبل يشكر الذي يعرف بقلعة الكبش بين الفسطاط وتلال المقطم، وقد سميت المدينة الجديدة باسم القطائع؛ لأن كل طائفة من رجاله اتخذت لها قطيعة لسكانها، فيقال قطيعة السودان، وقطيعة الروم، وقطيعة الفراشين، ونحو ذلك، وبَنَى القواد مواضع متفرقة، فغمرت القطائع، وبنيت فيها المساجد والطواحين والحمامات، فصارت القطائع مدينة كبيرة.
وبنى ابن طولون في مدينة القطائع قصرًا ضخمًا، جعل أمامه ميدانًا فسيحًا ليستعرض فيه جيشه، ثم أقام حول القصر ثكنات لجنوده وحاشيته، ولما مات ابن طولون وخلفه ابنه خمارويه، زاد في قصر أبيه، وجعل الميدان كله بستانًا، وزرع فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر، كما بنى ابن طولون على سفح جبل يشكر[17] مسجده المعروف باسمه، وما زال باقيًا حتى الوقت الحاضر، ويعتبر أحد الآثار الدينية الرئيسية الإسلامية، وقد انتهى من بنائه في سنة 265هـ/ 879م[18].
وقد بنى أحمد بن طولون المارستان (المستشفى) في سنة 259هـ/ 872م لعلاج المرضى دون تمييز بين الطبقات والأديان، وجعل العلاج فيه دون مقابل، وألحق به صيدلية لصرف الأدوية، فإذا دخل المريض المستشفى تنزع ثيابه وتقدم له ثياب أخرى، ويودع ما معه من المال عند أمين المارستان، ويظل تحت العلاج حتى يتم شفاؤه، وكانت دلالة شفاء المريض قدرته على أكل رغيف ودجاجة، وعندئذٍ يسمح له بمغادرة المستشفى، وكان ابن طولون يتفقد المستشفى ويتابع علاج الأطباء، ويشرف على المرضى[19].
استطاع أحمد بن طولون أن يكوِّن جيشًا كثيف العدد، وكان ذلك الجيش أول جيش مستقل في مصر في العصور الوسطى، فقد كان قائده الأعلى هو ابن طولون، وليس لأحد غيره سلطان على الجيش ورجاله[20]، وكان الجيش يتكون من السودان والإغريق والترك والعرب، ويشمل أكثر من أربعة وعشرين ألفًا من الأتراك، وأربعين ألف سوداني، وسبعة آلاف مرتزق، وبلغ رزق الجيش في أيام خمارويه تسعمائة ألف دينار[21].
قد بذل أحمد بن طولون جهده لتشجيع الزراعة، وزيادة الإنتاج الزراعي، فأصلح الترع والقنوات التي تروي الحقول، وحفر الجديد منها، وأصلح السدود المحطمة، وحمى الفلاحين من ظلم جُباة الضرائب وتعسفهم؛ مما أدى إلى ازدياد مساحات الأراضي المزروعة من جهة، ووصول أسعار الحبوب إلى أدنى مستوى، وكانت عناية خمارويه بالزراعة لا تقل عن عناية أبيه.
وازدهرت الصناعة أيضًا في مصر في العصر الطولوني، ويأتي على رأس الصناعات التي اشتُهِرَت بها مصر آنذاك صناعة النسيج، ومن ذلك صناعة الكتان التي اكتسبت أسواقًا جديدة، وكانت تصنع أنواعًا مختلفة من الكتان في مدن تَنِّيس ودمياط ودبيق وشطا ودميرة وغيرها، وفي مصر العليا في مدن الفيوم والبهنسا وإخميم، واشتهرت مصر كذلك بصناعة المنسوجات الصوفية المعروفة بجودتها، والتي كان يتم تصدير كمياتٍ كبيرةٍ منها إلى كثيرٍ من الأقطار، كما أن المنسوجات المطرَّزة بالذهب والموشاة التي أنتجتها مدينة الإسكندرية عرفت بجودتها العالية.
مصر في عهد الإخشيديين
تميز عهد الإخشيديين بظهور عدد من أعلام الفقه من أبناء مصر الذين كان لهم نشاط ملحوظ، وكان الفقه من العلوم التي أخذت حيزًا من الاهتمام، وكان على رأس الفقهاء المالكية في هذا العهد هارون بن محمد بن هارون الأسواني المتوفَّى (327هـ/ 939م)، وعلي بن عبد الله بن أبي مصر الإسكندراني المتوفى سنة (330هـ/ 942م)، ومن فقهاء الشافعية يأتي في مقدمتهم أبو بكر محمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد المتوفى سنة (345هـ/ 956م)، فقد تولى القضاء والتدريس في مصر، وقال عنه ابن خلكان: "كان متصرفًا في علوم القرآن الكريم، والفقه، والحديث، والشعر، وأيام العرب، والنحو، واللغة وغير ذلك، ولم يكن في زمانه مثله، وكان محببًا إلى العام والخاص..."[22].
وكذا اهتم الإخشيديون بإنعاش الأحوال الاقتصادية في مصر، وأولوا عنايتهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، فالزراعة كانت الحرفة الأساسية لمعظم السكان، وتمثل المورد الأساسي لمدخول الدولة، وقد بذل كافور الإخشيدي جهودًا مكثفة في تنمية الزراعة، حتى زاد خراج[23] مصر على أربعة ملايين دينار كل سنة، فبلغ خراج الفيوم وحدها سنة (356هـ/ 976م) أكثر من 620 ألف دينار[24].
مصر في عهد صلاح الدين
وقد تبوأت مصر في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي مكانة عالية، ففي الوقت الذي كان الأيوبيون يجاهدون فيه الصليبيين في بلاد الشام ومصر، عملوا على استتباب الأمن في مصر، وتوفير الرخاء الاقتصادي لها، وهو ما ظهر على الفلاحين؛ فقد انعدمت ثوراتهم طيلة العصر الأيوبي كله.
ترك صلاح الدين الأيوبي بصمة واضحة المعالم في التاريخ الإسلامي كله، فبلغت مصر بنصر حطين عام (583هـ/ 1187م) ذروة سامقة مهيبة في المجال الحربي والعسكري؛ إذ أُنشِئ "ديوان الجيش" وهو بمنزلة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر، ولا بد لمن يتولى رئاسته أن يكون مسلمًا، وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة، وله اختصاصات واسعة؛ فهو مسئول عن معرفة أحوال الجند وما يتعلق بهم. وساد في عصر صلاح الدين أيضًا نظام الإقطاع الحربي، ويُقصد به توزيع الأراضي على كبار أمراء الدولة وأمراء الأجناد بدل منحهم الرواتب والأعطية النقدية، مقابل تأديتهم خدمات حربية، وتقديم عدد من الجند إلى الجيش السلطاني زمن الحرب كاملي العُدَّة والعدد[25].
وبالرغم من الظروف التي جعلت الدولة الأيوبية في مصر دولة حربية؛ لجهادها الطويل مع الصليبيين، لكن التجارة نشطت نشاطًا ملحوظًا في عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث أقيمت العلاقات التجارية الدولية بين مصر والجمهوريات الإيطالية: بيزا والبندقية وجنوة، فكان التجار الإيطاليون يفدون على ثغري دمياط والإسكندرية للحصول على سلع الشرق[26].
مصر المملوكية حاضرة العالم الإسلامي
كما أضحت مصر في عهد دولة المماليك حاضرة العالم الإسلامي، فبعد هزيمة المغول عام 658هـ/ 1260م على يد سيف الدين قطز، أصبحت مصر قبلة الأنظار ودرة مدن الشرق، وقُدِّر لحضارتها أن تصل إلى المغول، إلى دولة المغول المعروفة باسم القبيلة الذهبية عند بحر قزوين جنوبي روسيا، وإلى إمبراطورية الإيلخانات نفسها بصورة واضحة ملموسة[27].
استطاع ركن الدين بيبرس أن يجعل مصر قاعدة للخلافة الإسلامية، باستقدامه أحد أبناء البيت العباسي من دمشق، ومبايعته بالخلافة، وهو أبو القاسم أحمد الذي لُقِّب بالمستنصر، لكن المقريزي وصف وضع الخليفة في القاهرة بأن خلافته "ليس فيها أمر ولا نهي، وحَسْبُه أن يُقال له: أمير المؤمنين"[28]، لكن مصر "حين صارت دار خلافة عظم أمرها، وكثُرت شعائر الإسلام فيها، وعلت فيها السنة، وعَفَت[29] منها البدعة، وصارت محل سكن العلماء، ومحط رجال الفُضلاء"[30].
لم يتوقف السلاطين المماليك عند الانتصار المشهود في عين جالوت، فسار ركن الدين بيبرس في تتبع الصليبيين في الشام حتى سقطت بعض مدنها مثل قيسارية وحيفا وصفد في عامي (663- 664هـ/ 1265- 1266م)، وكان سقوط مدينة أنطاكية عام 666هـ/ 1268م بمنزلة كارثة حقيقية ألمت بالصليبيين منذ سقوط بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي عام 583هـ/ 1187م[31].
وقد وصف العلامة المغربي عبد الرحمن بن خلدون مصر في عهد المماليك الجراكسة حين قدم إلى مصر في عام 784هـ/ 1382م قائلاً: "فانتقلتُ إلى القاهرة أول ذي القعدة، فرأيت حضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، ومدرج الذر من البشر، وإيوان الإسلام، وكرسيّ الملك، تلوح القصور والأواوين في جوه، وتزهر الخوانق والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب بين علمائه، وقد مثَلَ بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسبقهم النهل والعلل سيحه، ويجبى إليهم ثمرات شجه..."[32]. ثم أضاف قائلاً: "ونحن لهذا العهد (المماليك الجراكسة) نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر، لما أن عمرانها مستبحر، وحضارتها مستحكمة منذ آلاف السنين، فاستحكمت فيها الصنائع وتفنَّنت، ومن جملتها تعليم العلم..."[33].
عَظُمَت أحوال مصر الاقتصادية على عهد سلاطينها المماليك، فاهتموا بالزراعة باعتبارها مصدر الثروة الأول الذي عاش عليه المصريون منذ قديم الأزل، وفي عهدهم قُسمت الأراضي الزراعية إلى أربعة وعشرين قيراطًا، اختصَّ السلطان بأربعة قراريط للكلف والرواتب وغيرها، وخصص عشرة قراريط للأمراء، أما العشرة الباقية فكانت من نصيب الأجناد[34]. وقد ارتقت الصناعة في عهدهم وأصبحت على درجة كبيرة من الجودة والإتقان، ومن أهم الصناعات في العصر المملوكي صناعة المنسوجات من الحرير والصوف والكتان والقطن.
لم يألُ سلاطين المماليك جهدًا في تشجيع تجارة البحر الأحمر، فرحبوا بتجار الشرق المترددين على موانئ مصر المطلة على البحر الأحمر، وخاصة ميناء عيذاب التي وصفها الرَّحّالة ابن جبير بأنها: "أحفل مراسي الدنيا؛ بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها وتقلع منها، زائدًا إلى مراكب الحجّاج الصادرة والواردة..."[35].
مصر إمارة عثمانية
بعد سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين في عام 923هـ/ 1517م، بدأت مصر مرحلة جديدة تختلف كل الاختلاف عن المراحل السابقة لها؛ إذ كانت مصر في عهد المماليك دولة مستقلة ذات سيادة، ثم أصبحت إمارة عثمانية تابعة للباب العالي في إسطنبول، وقد مرَّت مصر خلال تلك الفترة ببعض عهود القوة والبروز.
تولَّى الخازندار المسبِّح باشا، حكم مصر في عهد السلطان العثماني القوي سليم الثاني الذي تولى مقاليد الخلافة العثمانية ما بين عامي (1566- 1574م/ 973- 982هـ)، فحكم مصر مدة خمس سنوات وخمسة أشهر ونصف، ووجه اهتمامه خصوصًا إلى إبطال السرقات والتعديات، فكان يقبض على اللصوص، ويقتلهم دون شفقة[36]، فارتاحت البلاد من شرورهم، ثم عكف على إصلاح شئون الرعية، وكان نزيهًا لا يقبل الرشوة ولا الهدية، ومن آثاره مسجد عظيم في ضواحي القرافة لا يزال يُعرف باسمه، وقد بناه على اسم الشيخ "نور الدين القرافي"، وجعله له ولنسله ملكًا حرًّا، وخصص دخلاً معينًا للنفقة عليه، وأمر المسبح باشا أن تستهل الأوامر والكتابات الرسمية والأحكام بهذه العبارة: "الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه وسلم، إنَّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله". لذا فقد استقرت أحوال مصر الداخلية في عهده، وأصبحت إمارة عثمانية قوية[37].
[36] ليس عقاب السارق في الشريعة الإسلامية القتل، بل قطع اليد بعد استيفاء شروط الحد؛ لذا يُعَدّ هذا التصرف تجاوزًا من الوالي، إلا إذا كان اللصوص يقطعون الطريق ويروعون الناس، فيُعتبر هذا من الحرابة، ويقام عليهم حدُّ الحرابة بالقتل، أو أنه قتل هؤلاء اللصوص تعزيرًا؛ ردعًا للمجرمين لانتشار الجريمة في وقته.
صحوة إسلامية في القرن العشرين
وفي مطلع القرن العش�حات الأراضي المزر القوى السياسية، حاملة جذوة النهضة للأمة المصرية -وإن كانت تحت الاحتلال الإنجليزي- كان الحزب الوطني الذي حمل راية الكفاح ضد الاستعمار، والذي خاض المعارك من أجل التأكيد على القيم الإسلامية كالحجاب؛ إذ دخلت صحيفة اللواء الناطقة باسم الحزب الوطني هذه المعركة ضد قاسم أمين وصحافة حزب الأمة التابع للاستعمار الإنجليزي.
وقد كان الحزب الوطني الذي دافع عن القيم الإسلامية ورفض السلوك الغربي وقيمه، سببًا من الأسباب الدافعة لقيام ثورة 1919م/ 1337هـ[38].
وصل الحزب الوطني بعد زعيميه مصطفى كامل ومحمد فريد إلى درجة كبيرة من الضعف والتفكك؛ لذا ظهرت حركة الإخوان المسلمين عام 1928م/ 1346هـ، وحركة مصر الفتاة عام 1933م/ 1351هـ.
خاضت حركة الإخوان المسلمين التي أنشأها الإمام حسن البنا معاركها ضد الاستعمار والصهيونية والجهل والتبعية، وكان همها الأكبر الانحياز إلى الفقراء والمستضعفين، وناضلت ضد الاستبداد السياسي، واعتمدت الحركة على أسلوب التربية لبناء الفرد المسلم، والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، والأمة المسلمة. أمَّا حركة مصر الفتاة التي نشأت على يد مؤسسها الأستاذ أحمد حسين، فإنها ركزت على العمل السياسي المباشر، وناهضت الاستعمار والاستبداد، وانحازت إلى الفقراء ودافعت عن حقوق الشعب، لكنها لم تصل في قوتها وانتشارها على المدى الذي وصلت إليه حركة الإخوان المسلمين[39].
[38] كان نفي سعد زغلول ورفاقه الشعلة التي جعلت المصريين يثورون ضد المحتل الإنجليزي، بعد مماطلته في استقلال مصر بعد الحرب العالمية الثانية التي وقفت فيها مصر بجانب إنجلترا أمام الدولة العثمانية.
فترات التدهور والاضطرابات
كما مرَّت مصر الإسلامية على مرِّ عصورها بفترات قوة وازدهار، ألمَّ بها عهود تدهور وانحسار؛ إذ شهدت اضطرابات داخلية، ومجاعاتٍ وأوبئة، ومحاصرات عسكرية واقتصادية، ومنازعات حول السلطة؛ وقد أدَّى كل هذا إلى تبدد قواها، وبؤس أهلها، وضياع منزلتها الحضارية بين الأمم والشعوب، حتى أصبحت في أحايين كثيرة تابعة بعد أن كانت متبوعة، وأصابها الضعف بعد القوة، والجدب بعد الرغد والسعة، ونحن نذكر هذه العهود الضعيفة التي مرَّت بها مصر محاولين أن نستقصيها معلِّلين الأسباب، لنتدارسها متلافين العيوب والمشكلات.
الفتنة تطل برأسها على مصر
بدأت الاضطرابات تطل برأسها على مصر منذ عهد قريب لها بالإسلام ففي عهد عثمان بن عفان t ظهرت بعض الشخصيات التي كان غرضها الكيد للإسلام وهدمه، فأخذت تثير السخط على الخليفة الراشد بين أهل الأمصار، ومنها مصر، من ذلك ما قام به رجل يهودي من اليمن هو عبد الله بن سبأ الذي استقر المقام به في مصر حيث وجد أرضًا خصبة لنشر دعوته، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أخذ عبد الله بن سبأ يدعو لعلي بن أبي طالب t، ويتحدث إلى الناس بأن لكل نبي وصيًّا، وأن عليًّا وصي محمد r. ومهما يكن من أمر ففي شوال سنة 35هـ/ 656م جاء إلى المدينة المنورة عرب مصر وجموع من أهل الكوفة والبصرة، وكان المصريون أشدهم نقمة على عثمان t بسبب ما سمعوه وصدَّقوه من ابن سبأ، وكان نتيجة ذلك أنهم قتلوا عثمان بن عفان t، وبذلك هبت ريح الفتنة بين المسلمين[40].
وقد سعى أهل مصر في هذه الفتنة الشنعاء منساقين وراء ادِّعاءات ابن سبأ الباطلة، ولم يحاولوا تمحيصها، ولم يحسنوا الظن برجل من أفضل الصحابة y، ولم يرتدعوا عن سفك دمه t. وكان هذا من سوء تفكيرهم وتدبيرهم.
فترة الضعف الطولوني
وبعد سنين طوال من الاستقرار والازدهار، وفي نهاية عصر الدولة الطولونية، وبعد وفاة خمارويه، لم تستطع مصر الاحتفاظ باستقلالها الذي تعب أحمد بن طولون في تحقيق وجوده؛ إذ أصبحت مصر ميدانًا للضعف والفوضى من ناحية، ومسرحًا لأحداث دامية أطاحت بوحدة الطولونيين، وعجَّلت بزوال دولتهم ونفوذهم من ناحية أخرى.
وقد حكم مصر بعد وفاة خمارويه ثلاثة من البيت الطولوني لم يزد حكمهم على عشر سنوات، وخلف خمارويه ابنُه (أبو العساكر جيش) 282- 284هـ/ 895- 897م، وكان صبيًّا طائشًا منغمسًا في اللهو؛ فأقبل على الشرب، واتخذ من سفلة الناس حاشية له، وخرجت بلاد الشام وما يليها عن طاعته، وانتهى الأمر بخلعه وسجنه وتولية أخيه الأصغر أبي موسى هارون (284- 292هـ/ 897- 905م) وكان صغيرًا لم تزد سنّه على الرابعة عشرة من عمره، وفي عهده ظهرت طائفة سياسية شيعية اتخذت الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وسيلة لتحقيق أغراضها، وقد أسس أحد قوادهم أبو سعيد الجنابي دولة القرامطة ببلاد البحرين سنة 286هـ/ 899م[41].
العبيديون يحولون مصر لدولة شيعية
وفي عصر الدولة الإخشيدية كان هناك أحد عصور الضعف؛ فبعد وفاة كافور الإخشيدي في عام 357هـ/ 968م، عمَّت الفوضى والاضطرابات معظم أنحاء مصر، وتدهورت أحوالها الاقتصادية، فأصابها القحط والوباء والغلاء الشديد الناجم عن نقص فيضان النيل، وهاجم القرامطة بلاد الشام، وامتد نفوذهم إليها، في الوقت الذي عجزت الخلافة العباسية عن إعادة الأمور إلى نصابها في مصر، فانتهز العُبيديون في بلاد المغرب الفرصة، ودخلوا مصر، وتحولت مصر لدولة شيعية[42].
ومن العوامل التي أضعفت مصر، وأدَّت إلى سوء الأوضاع الداخلية فيها أثناء عصر الدولة العُبَيْدية (الفاطمية)، فساد عقيدة هذه الدولة، وعدائها الشديد للمسلمين في كل مكان، واضطراب أحوالها الاقتصادية التي كانت إحدى جوانبها حدوث المجاعات، ولا سيما التي حدثت سنة 457هـ/ 1064م في عهد الخليفة المستنصر بالله، نتيجة لانخفاض النيل، واستمرت سبع سنين متوالية، وهو ما يعرف في التاريخ بالشدة المستنصرية العظمى؛ فقد انعدمت بمصر الأقوات، وارتفعت الأسعار، واشتد بلاؤها على أهل مصر، مما حمل الكثيرين على مغادرتها والرحيل منها.
ومن بين تلك العوامل التي أسهمت في إضعاف الدولة العبيدية أنَّ معظم خلفاء العصر الفاطمي الثاني تولوا الخلافة وهم بعدُ أطفال صغار، فعلى سبيل المثال نجح الوزير الأفضل في تولية المستعلي الخلافة؛ لأنه صغير السن يمكن التحكم فيه، ولأنه زوج أخته.
البيت الأيوبي.. صراعات بعد صلاح الدين
ثم استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يخلِّص مصر وشعبها من مساوئ الحكم الشيعي العُبيدي الذي رزحت مصر تحته منذ قدوم العبيديين، وعاشت مصر أحد أزهى عصور قوتها تحت قيادة صلاح الدين، ولكن بعد وفاة صلاح الدين قُسِّمَت الدولة الأيوبية بين أبنائه وإخوته وأبناء عمومته وأمراء دولته، فأكبر الأبناء -وهو الملك الأفضل نور الدين علي- احتفظ لنفسه بدمشق والساحل وبيت المقدس وبعلبك وصرخد وبصرى وبانياس وهونين وتبنين إلى الداروم قرب حدود مصر، أمَّا الابن الثاني -وهو الملك العزيز عماد الدين عثمان- فكان بمصر وقت وفاة أبيه فاحتفظ بها، على حين أخذ الابن الثالث -وهو الملك الظاهر غياث الدين غازي- حلب وأعمالها، أما إخوة صلاح الدين، فمنهم الملك العزيز سيف الإسلام طغتكين بن أيوب الذي احتفظ باليمن، والملك العادل سيف الدين أبو بكر كان بيده الكرك والشوبك والبلاد الشرقية (الجزيرة وديار بكر).
وقد أدَّى ذلك التقسيم إلى إشعال نار الخلافات والعداوة بين الأشقاء؛ مما أذهب قوة الدولة، وأدى في النهاية إلى سقوطها.
وهنا نلاحظ أن البيت الأيوبي بعد وفاة صلاح الدين حتى ذهابه على أيدي المماليك، لم يكن تاريخه سوى أحداث النزاع والحروب بين أمرائه، فكل منهم يحاول أن يكسب أرضًا جديدة على حساب أخيه أو أبناء عمومته[43].
نهاية الدولة المملوكية
أخذت دولة المماليك الجراكسة تمر بحالة ضعف شديد في بدايات القرن العاشر الهجري؛ فقد انهمك المماليك الجلبان في العبث والفساد، وأخذوا ينهبون الدكاكين في القاهرة، وتعرضوا للناس بالضرر والأذى، ولم يسلم السلطان الغوري من مضايقاتهم، بل أخذوا يطالبونه بنفقاتهم حتى ضاق به الأمر، وبكى حتى أغمى عليه ورشوا على وجهه الماء، وهو يقول: "ما بقي لي حاجة بسلطنة، فأرسلوني أي مكان تختارونه". والواقع أن الحماس لم يعد يملأ نفوس الجراكسة للدفاع عن مصر؛ إذ كانوا يرون أن السلطان العثماني سليم الأول طالما أنه لم يقم بغزو الأراضي المملوكية، فليس ثمة داعٍ للحرب أو تبريرها[44].
ومن العوامل الأساسية التي أدت إلى ضعف الحالة الاقتصادية في مصر في أواخر العهد المملوكي وانحسار فتوحاتها شرقًا وغربًا، ظهور البرتغال بجهودها الكشفية ذات الطابع الصليبي، والتي شجعها البابوات على أساس تطويق المسلمين من الأمام والخلف، وتحطيم سيطرتهم على تجارة الهند التي تمثّل المنبع الرئيسي لثورتهم ورخائهم، وقد تمكن فاسكو دي جاما من الطواف حول إفريقيا عن طريق رأس الرجاء الصالح، والوصول إلى كاليكوت أهم موانئ ساحل مليار الهندي، وبذلك حقق البرتغاليون إنجازًا عالميًّا جديدًا. وبعبارة أخرى: فإن وصول فاسكو دي جاما إلى الهند يمثل تحولاً بارزًا في تاريخ التجارة الشرقية؛ إذ كانت حاصلات الشرق تصل إلى أوربا حتى ذلك الوقت بواسطة التجارة في مصر المملوكية، الذين كانوا يبيعونها بدورهم إلى البندقية بأسعار مرتفعة، وقد عادت تلك التجارة في تلك الحاصلات على مصر والبندقية بأرباح طائلة، وهكذا ذهبت حصيلة الضرائب التي كان سلاطين المماليك يحصلون عليها وأدت إلى ثرائهم من جهة، واستمدوا منها أسباب قوتهم وعظمتهم إلى البرتغاليين[45].
فترة الضعف في عهد الدولة العثمانية
عاشت مصر في بعض أوقات الدولة العثمانية عصورًا من الضعف؛ فقد زادت الضرائب، واخترعت الإدارة نظام الالتزام الذي أرهق الفلاحين، وهو تضمين الخراج لأناس يتولون جمعه عن الحكومة، ويشاركونها في نفوذها، فلا يزيدون الأهالي إلا ضغطًا وتعسفًا.
وقد ذكر "فولني" الرَّحالة الفرنساوي في رحلته إلى مصر أواخر القرن الثامن عشر أن تجارة مصر كان معظمها في أيدي السوريين المسيحيين، ثم أهل البندقية والإنكليز والفرنساويين، وكانت الجمارك يومئذٍ "بالإسكندرية" و"رشيد" و"دمياط" و"السويس" و"القصير" وفي "بولاق" و"مصر القديمة"، وكانت الحكومة تضمن دخل هذه الجمارك (أي تلتزم به)، كما كانت تضمن خراج الأرض.
على أن الجمارك كثيرًا ما كان يتولى شئونها أمراء المماليك الذين تعاونوا مع الدولة العثمانية وخصوصًا في أواخر القرن الثامن عشر، فعلى سبيل المثال اقتسم "إبراهيم بك" و"مراد بك" الانتفاع بالجمارك؛ فاختص "إبراهيم" بجمرك السويس وعهد به إلى عمال يديرونه بالنيابة عنه، واستولى "مراد" على سائر الجمارك فضمَّنها بعض أهل الوجاهة، وكانت إيرادات الجمارك نحو مليون ريال، أو نحو 120.000 جنيه أو أكثر تُجمَع من جمرك السويس[46].
[ محمد علي.. قوة شكلية ومصالح خاصة
تولَّى محمد علي حكم مصر في عام 1805م/ 1220هـ، فبدأ يحاول توطيد الأمر لنفسه بعيدًا عن القوى الوطنية المخلصة التي عمد إلى التخلص منها، كالزعيم عمر مكرم.
كما عمد إلى الانفصال الفعلي عن الخلافة العثمانية مع الاحتفاظ بالصلة الشكلية؛ لذا قام بتقوية صلاته بالدول الغربية المعادية للإسلام وللخلافة، وتعاون معها ضد الخلافة العثمانية، كما بدأ بنهضة صناعية وزراعية وعلمية في مصر انصبت كلها على تقوية الجيش فقط؛ وذلك ليقوي محمد علي مركزه في مواجهة الخلافة؛ لذا لم تكن تلك النهضة حقيقية، ولم تصُبَّ في مصلحة الشعب بأي شكل من الأشكال.
بعد استتباب الأمر لمحمد علي باشا، وتوسعه في الحدود المصرية، حتى أصبحت السودان تابعة لمصر في عام 1822م/ 1237هـ، وكذلك الحجاز عام 1818م/ 1233هـ، أنشأ محمد علي أول أسطول مصري كامل، وقام بنقل قواته من مصر إلى الحجاز عبر البحر الأحمر سنة 1811م/ 1226هـ، وبدأ محمد علي بتطبيق مشاريعه في مصر بنشر التعليم، واعتمد في بادئ الأمر على الأزهر وعلمائه، ثم بدأ في إيفاد الطلبة المصريين في بعثات إلى أوربا سنة 1813م/ 1228هـ، وكذا اهتم محمد علي بالتعليم العسكري، فأنشأ أول مدرسة حربية في أسوان على النظام الحديث، وأخرى في فرشوط، ثم في آبار جرجا، وأنشئت في عام 1825م/ 1240هـ مدرسة إعدادية للتعليم الحربي في القصر العيني، وبدأها بخمسمائة تلميذ، وأنشأ مدرسة المشاة (البيادة) لتخريج ضباط فرق المشاة الحربية، وأنشئت المدرسة الأولى للفرسان بالجيزة في قصر مراد باشا، وجعل لها معلِّمين من فرنسا، وأنشئت مدرسة للمدفعية في طرة[47].
كما لم تصب تلك الجهود العسكرية في مصلحة الشعب المصري، فإنها لم تكن في مصلحة العالم الإسلامي كذلك، بل وُجِّهت نحو صدور أبنائه المخلصين في أحايين كثيرة؛ فقد قام محمد علي بقمع الحركة الوهّابية في الحجاز، والتي قامت لمحاربة البدع العقائدية، كما واجه في بعض الفترات جيوش الخلافة العثمانية ذاتها.
وقد ابتدع محمد علي نظام الاحتكار في أراضي مصر الزراعية؛ فجعل من نفسه صاحب الأرض الوحيد في مصر، والمصريون كلهم أُجراء لديه، فعاش المصريون في فقر وعسف وجور.
ولأنَّ محمد علي قد جعل مصر إقطاعية خاصة به؛ فقد اهتم بعمرانها؛ فعُنِيَ بشق التُّرَع، وإقامة الجسور والقناطر، وإصلاح جسر أبو قير، وسد فتحات بحيرة المنزلة، وكذلك اهتم محمد علي بالتوسع الزراعي، وإدخال أنواع زراعية جديدة، فاهتم بغرس أشجار التوت؛ لتربية دودة القز لأجل صناعة الحرير. وفي مجال الصناعة اهتم محمد علي بصناعة السفن حاملة الجنود في بولاق، ومرفأ السويس، وعمل في ذات الوقت على تجديد ترسانة الإسكندرية. وفي سنة 1816م/ 1231هـ أنشأ محمد علي مصنع الغزل والنسيج بالخرنفش، واستدعى له عمالاً فنيين من إيطاليا في غزل خيوط الحرير[48].
اتسعت تجارة مصر الخارجية في عهد محمد علي بسبب ازدياد الحاصلات، وبفضل إصلاح ميناء الإسكندرية والسويس تمَّ إعادة الحياة لطريق التجارة بين الهند وأوربا بالبلاد المصرية بعد أن بسط السيادة المصرية في البحر الأحمر، وطهره من القرصان. ونظرًا لتعدد المشروعات العمرانية، ومشروعات التنمية الزراعية والصناعية وإعداد الجيش والأسطول فقد كانت الميزانية عام 1821م/ 1236هـ بشقيها: الإيرادات 199.700ج، المصروفات 947.090ج، ولكن بعد مضي عشر سنوات بعد ذلك، وبعد الحصول على العائد من المشاريع الإنتاجية تضاعفت الإيرادات حتى فاقت المصروفات. وفي عام 1833م/ 1248هـ كانت الإيرادات 4.525275ج، والمصروفات 1.999070ج[49].
كانت كل هذه مظاهر للعمران في عهد محمد علي، لكن كانت كلها -كما ذكرنا- من أجل مصلحته الشخصية؛ لذا عاش جميع الشعب –رغم كل ما ذكرناه- في فقر وضنك شديدين؛ لذا فإننا نعدها -رغم الشائع عنها- من عصور الضعف في تاريخ مصر.
فترة ضعف الأسرة العلوية
طرأت بعض التغيرات من الناحية الواقعية على مصر في عهد "عباس" و"سعيد" من أسرة محمد علي، فقد اتسمت مصر في عهدهما بالضعف؛ فعلى سبيل المثال ساءت أحوال المدارس وأُلغِيَ معظمها، ولكن من جهة أخرى يرجع إلى عباس الفضل في ضبط الأمن والضرب على الأشقياء وقطاع الطرق، كما أن مشروع إنشاء السكة الحديدية للربط بين الإسكندرية والسويس عن طريق القاهرة قد أُقِرَّ وشُرِع في تنفيذه في عهده.
أمّا سعيد باشا فقد أعاد تنظيم الدواوين في سنة 1857م، وجعل منها أربع نظارات هي: نظارة الداخلية، ونظارة المالية، ونظارة الحربية، ونظارة الخارجية؛ فتقلَّصت الحكومة في عهده، كما منح حق امتياز قناة السويس للفرنسي ديلسبس لمدة 99 عامًا؛ مما جعل فرنسا تتحكم بالقناة ومصر كلها بدون مقابل، وزاد على ذلك أن جَمَع لهم المصريين ليعملوا بالسُّخرة في حفر القناة إجبارًا، وقد مات الآلاف من المصريين جرَّاء الظروف القاتلة التي عملوا فيها.
ولكن من جهة أخرى فقد كان لسعيد إصلاحات تشريعية مهمة، منها إصدار اللائحة السعيدية سنة 1858م، وهي عبارة عن قانون خاص بإصلاح حال الفلاح وتخويله حق الملكية العقارية للأرض الزراعية بعد أن كان محرومًا من حق التملك في عهد محمد علي، وتعدّ هذه اللائحة أساس تشريعات ملكية الأطيان في مصر[50].
الاحتلال الإنجليزي بمساعدة توفيق
استطاعت إنجلترا احتلال مصر سنة 1882م في عهد الخديوي الخائن توفيق من أسرة محمد علي؛ لذا ساءت أحوالها على النواحي المختلفة، ومن ثَمَّ كانت محاولة تحرير مصر، والحصول على الاستقلال عن بريطانيا هي المحور الرئيسي في معركة الشعب المصري وقياداته التي ابتدأت بثورة 1919م، وما تمخض عنها من تسليم إنجلترا ببعض التنازلات لمصر، فيما عُرِفَ بتصريح 28 فبراير 1922م، وقد فشلت جميع المفاوضات التي جرت بين الساسة المصريين وبين إنجلترا بعد صدور هذا التصريح، ابتداءً من مفاوضات سعد زغلول ورامزي ماكدونالد في أكتوبر 1924م، أو مع هندرسون 1930م، وأخيرًا محادثات صدقي وجون سيمون في صيف 1932م، والتي يتضح منها جميعًا استمرار المحاولات من جانب الساسة المصريين، لوضع حدٍّ للتدخل البريطاني في شئون مصر الداخلية، استنادًا إلى ما احتفظت به بريطانيا لنفسها من حقوق بموجب هذا التصريح، وذلك بتسوية العلاقة بين البلدين في شكل معاهدة، أو بعبارة أخرى: محاولة تقنين تلك العلاقات[51].
بعد ترقي فاروق الأول عرش مصر في عام 1936م، تم تعين مجلس وصاية نظرًا لصغر سنه، وتولى الوفد تشكيل الوزارة لفوزه في الانتخابات البرلمانية، وتألفت جبهة داخلية لإعادة تطبيق دستور عام 1923م الذي تم إلغاؤه بدستور عام 1930م والذي أعطى الملك سلطات أكبر وأشمل، إلا أن بريطانيا أصرت على رفضها، فقامت العديد من الثورات والاضطرابات الداخلية، فاضطرت بريطانيا للدخول في مفاوضات شريطة أن تتوافق كل الأحزاب المصرية، وتم الاتفاق في لندن بوضع معاهدة عام 1936م والتي أعطت مصر استقلالاً صوريًّا؛ حيث ألزمت مصر بتقديم المساعدات في حالة الحرب وإنشاء الثكنات التي فرضت أعباء مالية جسيمة مما يؤخر الجيش المصري وإعداده ليكون أداة صالحة للدفاع عنها, كما أنة بموجب هذه المعاهدة تصبح السودان مستعمرة بريطانية يحرسها جنود مصريون!![52].
استمرت بريطانيا على عنادها وتمسكها بمعاهدة سنة 1936م، وعدم اعترافها بالإلغاء وصممت على
احمد الديش نائب المدير العام
العمر : 31 تاريخ التسجيل : 19/12/2009 عدد المساهمات : 25531 نقاط : 35491
المزاج : اهلاوى منذ الصغر الموقع : realahmed85@yahoo.com
موضوع: رد: قصة الاسلام فى مصر/لازم كل مصرى يعرف القصه الإثنين يوليو 26, 2010 12:59 pm