الخلافات الزوجية وتأخر زواج البنات مفاتيح الدخول إلى عالم الدجل
عدم الاطمئنان إلى المستقبل يدفع الإنسان إلى تخاريف العرافين
الخوف من ربط الأزواج في ليلة الزفاف سبب رئيسي لزيارة الدجال
الإعلام مسؤول عن انتشار ثقافة الدجل والشعوذة
اللجوء إلى الدجالين دليل على خلط سيئ بين الدين والخرافة
الخلل في شخصية المتردد على المشعوذ يجعله فريسة سهلة
:
رغم الطفرة الهائلة في وسائل المعرفة والاتصال مازالت بعض المفاهيم والموروثات التي لا تناسب العصر تنتشر بين جموع الناس, وقضية التردد على الدجالين والمشعوذين أصبحت منتشرة بشكل كبير حتى بين النخبة وجموع المثقفين وصفوة المجتمع ورجال الأعمال والفنانين, في مصر والعالم العربي, وتطورت الظاهرة وأخذت أبعادا خطيرة لدرجة أن بعض الدراسات أكدت أن هناك المليارات التي تنفق في البلاد العربية في التردد على الدجالين والمشعوذين ما يشكل تهديداً للاقتصاد في البلاد العربية.
والقضية كما حددها علماء الاجتماع ورجال الدين تكمن في المشكلات النفسية والاجتماعية التي تتراكم على أصحاب الشخصيات الضعيفة الذين لايستطيعون مواجهة المشكلات والتغلب عليها بالعقل بعيدا عن الخرافات فيطرقون أبواب الدجالين والمشعوذين بحثا عن الحلول لمشكلاتهم, وقد فسرها علماء الدين على أنها نتيجة لغياب الوعي الديني الذي أصبح سائدا في الوقت الحالي وذلك نظرا للتضارب الشديد في المفاهيم والمعتقدات الدينية التي سببتها فوضى الفتاوى في القنوات الفضائية التي تسعى للربح على حساب قيم وعادات ومعتقدات الناس فتستضيف الدجالين من أجل الاثارة والسعي للربح.
اسباب اجتماعية
الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات بجامعة عين شمس تقول: هناك أسباب اجتماعية كثيرة تسببت في انتشار ظاهرة الدجل والشعوذة في البلاد العربية من أهمها الأمية التي تساعد بشكل كبير في تصديق الخرافات والاعتقاد بها, كما أن القضايا التي تتعلق بالأحوال الشخصية وترتبط بشكل كبير باستقرار الأسرة تعد من أكثر أسباب التردد على الدجالين والمشعوذين ومنها تأخر سن الزواج, فنجد مثلا خوف بعض الأسر من عدم زواج الأبناء فرغم أن هذه القضية في الأساس قد ترجع لأسباب اقتصادية أو نفسيه لكن بعض الأسر في الغالب يربطون بين تأخر سن الزواج لدى الأبناء وخصوصا لدى الفتيات بأن الفتاة "معمول لها عمل" عند أحد الدجالين ولا بد من فك هذا السحر عن طريق دجال آخر وهنا تستمر ظاهرة التردد على الدجالين في الاستفحال حتى تنتهي الى مأساة حقيقية نتيجة الطلبات الكثيرة التي يطلبها الدجالون والمشعوذون, كما ان الخلافات الزوجية تعد من أسباب التردد على الدجالين, فمثلا الشكوك التي تنتاب بعض السيدات والغيرة التي تجعل الزوجة تتخيل أن زوجها قد يتزوج عليها تعد من ضمن الأسباب التي تؤدي لانتشار تلك الظاهر فتسعى الزوجة نتيجة الخوف على أسرتها وزوجها وأولادها لطرق أبواب الدجالين والمشعوذين بهدف الحفاظ على الزوج وفي هذه الحالة قد تنتهي الأمور بانهيار الأسرة والطلاق لأن الدجالين يصورون للزوجات بأن هناك بالفعل من تسعى لخطف زوجها وفي هذه الحالة تقوم الزوجة بتفسير سلوك الزوج مهما كان هذا السلوك طبيعيا طبقا لما تخيلته من كلام الدجالين والمشعوذين, كما أن الدجالين والعرافين يوهمون المترددين عليهم بأنهم على علاقة بالجن ويوهمونهم أيضا بقدرتهم على تحقيق مطالبهم وحل مشكلاتهم وتخليصهم من الهموم التي تطاردهم, ورغم أن الأمية والفقر من أسباب تلك الظاهرة الا أن بعض الدراسات قد أكدت أن الكثير من أفراد الطبقات الثرية يلجأون أيضا للدجالين والعرافين بل ان المؤكد أن أفراد هذه الطبقات هم أكثر المترددين على الدجالين والمشعوذين ويقدمون لهم المال الكثير ويستعينون بهم في الكثير من الأمور التي قد تتعدى المشكلات والخلافات الزوجية لتصل لحد الرغبة في ضرر المتنافسين معهم في العمل وكثيرا ما تنتشر الأحداث حول تردد بعض الفنانين ورجال السياسة ورجال الأعمال والشخصيات العامة على الدجالين وتكمن مطالب هؤلاء في الرغبة في ضرر المتنافسين لهم أو العاملين في المجال نفسه, كما أن البعض منهم يشعر بأن حظه سيئ وهناك تعثر في الأمور المالية,فيطلب من الدجال قراءة الطالع أو معرفة بعض الأمور المستقبلية المرتبطة بأعماله.
تهدد استقرار المجتمع
يقول الدكتور حسن شحاتة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: هناك مخاطر اجتماعية كبيرة من التردد على الدجالين والمشعوذين لأن هؤلاء الدجالين يخلطون الدين بالسحر ولأن الدين مقدس بين الناس, فنجد في كثير من الأحيان أن البسطاء يطلقون على الدجال والمشعوذ لقب شيخ وهذا يحدث خلل في القيم والمفاهيم السائدة في المجتمع ويؤدي لانحراف السلوك نحو تصديق بعض الخرافات التي يقوم بها الدجالون الذين يستشفون مطالب المترددين عليهم من خلال خبراتهم ودرايتهم بالحالات التي تتردد عليهم, وكذلك الرغبة من جانبهم في جذب المترددين عليهم الذين يمرون بمشكلات وخلافات ويسعون للحصول منهم على الأموال, وممارسة الدجل والشعوذة لها أشكال وصور كثيرة منها قيام بعض الدجالين والعرافين بقراءة الطالع لبعض المترددين عليهم الذين يمرون بمشكلات وظروف نفسيه وخداعهم وتضليلهم, وفي هذه الحالة يعتمد الدجالون على خبراتهم التي اكتسبوها من خلال القدرة على التعامل مع كل فئات المجتمع والقدرة على التعامل في كل المواقف, فيقوم الدجال بالحديث عن بعض القضايا التي ربما يكون الشخص نفسه قد ذكرها للدجال لكنه يريد أن يصدق ما يقوله الدجال حتى يشعر بالراحة عندما يجد أن الدجال يحدثه عن الزواج, المال المقبل, السفر للخارج, النجاح في الدراسة,الحصول على فرصة عمل, فالدجال يركز عند قراءة الطالع للفتيات على الزواج وأن هناك عريسا بمواصفات رائعة ينتظرها ويقوم بوصف ملامح وصفات هذا العريس, وبالنسبة للشباب فان الدجال بخبرته يركز على القضايا التي يستشف أن الشباب يتطلع اليها, كما أن الدجالين يخاطبون عواطف الشباب التي تجعلهم ينساقون وراء ما يقوله الدجال ويصدقونه, أيضا فان بعض الدجالين يقدمون الأحجبة التي يوصون بأن تظل مع الشخص في كل مكان حتى تحميه من الأرواح الشريرة وحتى تقيه من الحسد والسحر.
وهناك بعض الدجالين يمارسون الدجل بطرق أخرى تتمثل في قراءة المندل وايهام الناس بالقدرة على رؤية الأحداث التي تقع من خلال النظر في فنجان به ماء أو زيت, كما أن هؤلاء يوهمون الناس بالقدرة على معرفة مكان بعض الأشياء المختفية أو التي قد فقدت أو سرقت, كما يزعمون أيضا قدرتهم على معرفة مكان الشخص أو الطفل الذي فقد وكلها طرق لاستنزاف الناس وخداعهم, كما ان الثقافة والموروثات القديمة التي كانت تنتشر في القرى حول بعض الأمور الخاصة بربط الأزواج في ليلة الزفاف تجعل الناس يترددون على الدجالين لفك السحر وعمل أحجبة للحماية من هذه الأضرار التي يتخيلونها, وبعض الأسر تذهب للدجالين والعرافين قبل أيام من زواج الأبناء خوفا من السحر أو ما يطلق عليه الربط ليلة الزفاف, ويقوم الدجال الذي غالبا ما يقنع الأسرة بأن الشاب أو الفتاة المقبلين على الزواج "معمول له عمل", وهؤلاء المترددون على الدجالين لديهم مشكلات" نفسيه" فنجدهم من الشخصيات الهشة والمهزوزة داخليا وبالتالي يسهل التأثير عليهم,وهذه النوعية من الشخصيات تسعى للحصول على حلول للمشكلات أو الحصول على مكاسب بأسهل الطرق, وهؤلاء يمثلون خطرا كبيرا على المجتمع لأن وجودهم وتردد الناس عليهم يؤدي لنشر الخرافات بين الناس وينبغي على العلماء والمتخصصين أن يقوموا بدورهم للتصدي لهذه الظاهرة التي تؤثر على سلامة المجتمع.
ضغوط نفسية
أما الدكتورة سوسن عثمان عميد معهد الخدمة الاجتماعية الأسبق فتقول: الفقر والمشكلات النفسية أهم الأسباب التي تجعل البعض يتردد على الدجالين والمشعوذين, ونتيجة للضغوط ومشكلات الحياة انتشرت الأمراض النفسية التي تأخذ وقتا طويلا في العلاج وقد أكد الأطباء أنها تعد مرضا مثل باقي الأمراض, لكن بعض الناس تقوم بتفسير ذلك على أنه نتيجة للسحر وتبدأ رحلة التردد على هؤلاء الدجالين,فالمؤكد أن انتشار الأمراض النفسية يزيد من هذه الظاهرة, لكن المؤكد أيضا أن بعض الأسوياء الذين يترددون على الدجالين والمشعوذين يصابون بالأمراض النفسية والعصبية نتيجة الحيل والأساليب الملتوية التي يتعامل بها الدجالون,فمثلا عندما يعجز شخص عن معرفة مكان مال سرق منه يجد البعض ينصحه بالذهاب للعرافين والدجالين الذين يستدرجونه الى أمور أخرى قد تصل به للمرض النفسي وربما يتعرض باقي أفراد أسرته لمشكلات نفسية كبيرة, وان وجود خلل في السمات الشخصية للمترددين على الدجالين يجعلهم يسلمون أمورهم الى من يعتقدون أنهم قادرون على حل كل مشكلاتهم ويقومون بتنفيذ كل ما يطلب منهم,,فالمشكلات في مجتمعنا تراكمت بصورة غير طبيعية وهذه المشكلات تتنوع ويواجهها المثقفون وغير المثقفين وهذه المشكلات سببت ضغوطا نفسيه رهيبة كما نتج عنها مشكلات مادية, كل هذا اضافة للتخبط والخوف من المجهول والتفكير المستمر في الغد والمستقبل, كل هذا اوجد حالة من عدم الطمأنينة لدى الناس فزاد معها معدل الخلل في ظل دوامة المطالب المتراكمة.
مسؤولية وسائل الاعلام
أما الدكتور بركات عبد العزيز الأستاذ بكلية الاعلام جامعة القاهرة فيقول: يتحمل الاعلام مسؤولية كبيرة تجاه انتشار واستفحال ظاهرة الدجل والشعوذة, ففي الوقت الحالي الكثير من القنوات الفضائية تخصص برامج لتفسير الأحلام وتلك البرامج تجعل الناس تعيش في هوس وحيرة حول تصديق ما يقال من الشخص الذي يتصدى لتفسير الأحلام, كما أن هذه الفضائيات تقوم في كثير من الأحيان بعقد مناظرات بين رجال الدين وبين المشعوذين والدجالين ويحدث نقاش وجدال, وخلال هذه المناظرات يقوم الدجالون بعرض الحالات التي تتردد عليهم ويزعمون قدرتهم على علاج الأمراض المستعصية وحل المشكلات الأسرية وغيرها من المشكلات الحياتية التي توجد لدى الغالبية من الناس, ويعد هذا خطأ كبيرا من ناحية معالجة الموضع من قبل وسائل الاعلام فبهذه الطريقة يحصل الدجالون على فرصة كبيرة للانتشار ومحاولة اقناع الناس كما أن موضوع المناظرة عموما يثير نقاش الناس ويصبح مادة يتم تناولها داخل البيوت التي يتواجد فيها أطفال صغار, وفي هذه الحالة فان الاعلام يقوم بدور سلبي تجاه مقاومة الخرافات, والضرورة هنا تكمن في انشاء قنوات اعلامية دينية مستنيرة تستضيف كبار رجال الدين والمتخصصين للرد على أسئلة الناس وتصحيح المفاهيم الدينية التي توضح السلوك والمنهج الصحيح في علاج المشكلات بالعقل والحكمة وبالدين بعيدا عن التردد على الدجالين والعرافين وتوضح للناس حرمة التردد على هؤلاء الذين يتاجرون بمشكلات الناس, وعلى رجال الدين أن يقدموا منهج الاسلام الصحيح في قضية الدجل والشعوذة وأن يعرضوا للناس صحيح الدين الذي يكذب ما يقوم به الدجالون, فالمؤكد أن وسائل الاعلام تلعب دورا كبيرا في القضاء على هذه الظاهرة وقد تلعب أيضا دورا في انتشارها وهذه مسؤولية القائمين على هذه القنوات بأن يتم البعد عن الاثارة وعدم استضافة الدجالين والمشعوذين حتى يقوم الاعلام بدوره في خدمة المجتمع ويناقش القضايا التي تهم الناس بعيدا عن تشويه المعتقدات والأفكار.
غياب الوازع الديني
يقول الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: غياب الوازع الديني يعد السبب الرئيسي في كل انحراف واعوجاج عن صحيح الدين وتعاليم الشريعة الاسلامية, فكل من يتردد على الدجالين والمشعوذين لديه نقص في الايمان, فهم يطرقون أبواب المشعوذين لطلب منافع دنيوية مع أن الله سبحانه قد أمرنا أن نتوجه اليه عند طلب الحاجة كما قال الحق سبحانه وتعالى " واذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان ", والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف " اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ", ان عدم معرفة الزوجات بالحقوق والواجبات التي شرعها الاسلام تجعلهم يطرقون أبواب الدجالين والعرافين من باب الحفاظ على الأسرة والزوج, ومن يلجأ لمثل هذه التصرفات ضعيف الايمان, وكل فئات المجتمع تتحمل المسؤولية في انتشار هذه الظاهرة نتيجة عدم ترسيخ مفاهيم الايمان بالقضاء والقدر وأن يكون معلوما لدى الجميع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ", وللوقاية من ضرر هذه الظاهرة ننصح بعدم الانجراف والسير وراء الباطل والشبهات,ولقد اتفق الفقهاء على تحريم الكسب من الدجل والشعوذة لأن ما حرم فعله حرم أجره, فكل مال يكتسبه الساحر هو مال خبيث, وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على اجتناب الموبقات ومنها السحر والدجل والشعوذة, وعلى كل مسلم أن يؤمن بأن الله عز وجل هو النافع وهو الضار وأن يحرص على الابتعاد عن كل ما يؤثر في عقيدته لأن الدجال والمشعوذ قد يصدق في بعض الأمور ويكذب في البعض الآخر ويقوم صدقه على التخمين أو المصادفة, والانسان الواثق بالله لا يصدق هذه الحيل وأساليب الخداع والتأثير النفسي الذي يقوم به الدجالون.