أناشيد" عنوان أحدث معارض الفنانة د. نادية التطاوي الذي أقامته مؤخرا في قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية، وتناولت من خلاله موضوع الموسيقى.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها الفنانة عن الموسيقى، لكنها تعرضت لهذا الموضوع في معرضها السابق في نفس القاعة والذي كان تحت عنوان "آلة النغم"، كما أنها انشغلت به في منتصف الثمانينات عندما كانت ترسم أشخاص النوبة واحتفالاتهم والتي عرضتها باستفاضة في معرضها " أصداء الجنوب " الذي أقامته منذ عدة سنوات في قاعة "بورتريه"، حيث رسمت موسيقى الدفوف والناي والآلات المرتبطة بمجتمع أسوان وأماكن الجنوب "صعيد مصر" .
جزء من اهتمام الفنانة بموضوع النوبة والجنوب يرجع لاهتمامها بالموسيقى التي يعزفونها, والرقصات الشعبية المتوازنة التي تعبر عن حياتهم وعاداتهم في الأداء اليومي.
ويرجع اهتمامها بالموسيقى منذ كانت في سن صغيرة حيث كانت تقوم بالعزف على البيانو, وهنا حدث أول احتكاك مباشر لها مع الآلات الموسيقية , كما أنها تنتمي لأسرة عريقة متذوقة للموسيقى وكانت والدتها تعزف بمهارة .
وفي معرضها الأخير والذي يعتبر امتدادا لمعارضها السابقة اتجهت د. التطاوي إلى التبسيط، والتخلي تدريجيا عن أسلوبها التأثيري الذي كانت تتناوله منذ بدايتها ، إلا أنها لم تتخل عنه بشكل كامل؛ حيث تظهر دسامة الألوان وضربات فرشاتها وسكينة اللون القوية على مسطح قليل من لوحات المعرض.
تناولت الفنانة جميع أنواع الموسيقي : الغربية، الشرقية، الصوفية، الدينية، النوبية وغيرها ؛ ففي مجموعة من اللوحات عبرت عن عازفي قبائل الطوارئ المنتشرة في شمال أفريقيا، وهم صوفيون يقدمون موسيقى وإيقاع خاص بهم ، فهم يقرعون الدفوف في مجموعات، ويرتدون ملابس بيضاء تبرز سمار بشرتهم ، كما تنعكس على ثيابهم ألوان الصحراء الساخنة.
رسمت الفنانة أيضا عازفي الكمانجة، العود، الدفوف، التشلو، الطبول، الربابة مستخدمة ألوانها بصراحة وجرأة شديدة لجذب نظر المشاهد فور دخوله قاعة العرض ؛ فقد نال اللون الأحمر الساخن نصيبا كبيرا من أعمالها، كما غلب اللون الأزرق السماوي على مجموعة أخرى من اللوحات، التي وصل عددها إلى خمسين لوحة، أعدتها الفنانة خلال أربعة سنوات.
ظهر في المعرض لوحة وحيدة تختلف عن باقي أعمال المعرض، وهي عن الفضاء، تعتبرها الفنانة مقدمة لمرحلة جديدة، حيث تخيلت عازفي الفضاء وآلاتهم الموسيقية ولذلك رسمتهم يرتدون الخوذ الفضائية وتحيط رؤوسهم هالات .
تقول الفنانة التطاوي : اتجهت قليلا إلى التجريدية, لكي أعطي أعمالي بساطة وراحة نفسية في تناول اللون والمساحات, فكل لوحة لها كيانها المستقل, الذي أصل إليه أثناء تكويني لها باختياري الألوان التي تناسبها في التكوين التشكيلي. وهذا الاختلاف هو الذي أعطى النقاد الإحساس بتطوري, وأنا أدرك تماما كيف تحدث القيمة المضافة في أسلوبي, فهو نفس الأسلوب لكن بطريقة مجردة بشكل أكبر, واستخدم أكثر من أسلوب في أعمالي, وحاليا هذا هو الفن الحديث وهو أن الفنان يستخدم كل ما يخدم اللوحة دون التقيد بمدرسة معينة.
يقول كمال الجويلي شيخ النقاد : نادية التطاوي فنانة تتميز ببصمة خاصة وترسم بوجدانها فلديها حساسية مرهفة بالألوان والخطوط. تطلق خيالها وتندمج مع الشكل الذي أمامها فيما يشبه الحلم، وتلك طبيعة الفنان الذي يمتلك الموهبة المتدفقة.. تتأمل المساحة البيضاء طويلا قبل أن تعزف بالفرشاة من خلال حس موسيقي رقيق .. وتعايش موضوع اللوحة وتترك لثقافتها المجال لانتقاء الجوهر بمقدرة تعبيرية هامسة، تتوازى مع معرفتها بالتاريخ وتداعياته عبر الأزمنة والحضارات التي مرت بها هبة النيل مصر.
أما الفنان عبد الوهاب مرسي فقال عن المعرض : الفنانة تعبر عما يجيش في صدرها بأحاسيس صادقة تجاه ما تراه في الحياة من حركة دائبة ومتغيرة لا يعنيها في المقام الأول إلا أن تؤكد ذاتها وتفردها عن الآخرين. فهي فنانة تفهمت لغة الشكل ومدلولاته .. وهي في حالة سعي دائم لإيجاد حلول مغايرة بشحنة دافقة تتحدى بها نفسها، وسوف نرى منها الكثير والكثير في الغد القريب.