1. استيقظ الملك فى جوف الليل
وقف يصلى تقرباً الى الله تعالى
كان حريصاً على أن يصلى والناس نيام فلما فرغ من صلاته
في تلك الليلة عاد الى فراشه كى ينال قسطاً من الراحة
قبل أن يستيقظ لصلاة الفجر.
ما كاد ذلك الملك العادل الزاهد العابد المجاهد يستغرق فى نومه حتى رأى رؤيا عجيبة
فاستيقظ فزعاً ، نهض من فراشه توضأ وصلى ثم نام فرأى الرؤيا نفسها ! استيقظ فزعاً ، توضأ وصلى ثم نام فرأى الرؤيا نفسها مرة ثالثة! استيقظ هذه المرة وقال لنفسه:لم يبق نوم! كان له وزير صالح أرسل إليه فى جوف الليل وقص عليه ما رآه فى نومه.
فمن هو ذلك الملك وماذا رأى فى نومه وماذا قال له وزيره بعد ان سمع تفاصيل تلك الرؤيا؟!
كان ذلك الملك هو نور الدين زنكى رأى فى نومه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير الى رجلين أشقرين ويقول:أنجدنى ..أنقذنى من هذين!تكررت الرؤيا ثلاث مرات فى الليلة نفسها , وفى المرة الثالثة , استيقظ قائلاً:لم يبقَ نوم فأرسل لوزيره : جمال الدين الموصلى فلما حكى له ما رأى,قال له الوزير:وما قعودك؟!لماذا تقعد بعد كل ما رأيت؟!اخرج الآن الى المدينة المنورة,واكتم ما رأيت..فلا تخبر به احداً.
بدأ الملك يستعد للسفر فيما بقى من تلك الليلة,خرج ومعه عشرون رجلاً من أتباعه ومعهم الوزير الصالح,ركبوا جميعاً رواحل خفيفة , وانطلقوا من الشام الى المدينة المنورة,فوصلوا الى مشارفها فى زمن قياسى..استغرقت رحلتهم ستة عشر يوماً.
نزل الملك على مشارف المدينة , اغتسل خارجها , ثم دخل متوجهاً الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , صلى فى الروضة الشريفة , ثم زار قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم , وجلس يفكر , لا يدرى ماذا يفعل!
اجتمع أهل المدينةالمنورة فى المسجد , تحدث الوزير اليهم قائلاً:إن السلطان نور الدين زنكى أقبل قاصداً زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبره , وقد جاء بأموال لتوزيعها على الناس هنا,فاكتبوا أهل المدينة المنورة.
توافد الناس على المسجد كى يأخذوا عطية السلطان,فكان كلما تقدم أحدهم إليه , نظر الى وجهه , كى يتأكد : هل هو احد الإثنين الذين رآهما فى نومه؟ظل السلطان يعطيهم واحداً بعد الآخرحتى أخذوا جميعاً ولم يبقَ أحدٌ منهم ولكنه لم يرى بينهما ما رآهما فى نومه.
سأل السلطان من حوله : هل بقى احد لم ياخذ من الصدقة؟ قالوا : لا..فقال لهم : فكروا جيداً ، قالوا : لم يبقَ الا رجلان مغربيان , لا يأخذان شيئاً , فهما صالحان غنيان , بل إنهما يكثران الصدقة على المحتاجين , فما كاد السلطان يسمع ذلك , حتى انشرح صدره , وأخذ نفساً عميقاً ثم قال:علىَّ بهما..ابعثوا من ياتى بهما.
أقبل الرجلان نحو السلطان , فلما رآهما كانت المفاجأة!انهما هما!هما اللذان رآهما فى نومه , وهما اللذان أشار إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : أنقذنى من هذين.لم يظهر السلطان شيئاً , سألهما قائلاً : من أين أتيتما؟ قالا : من بلاد المغرب..جئنا للحج,فاخترنا المجاورة فى هذا المقام..بجوار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شك السلطان فى كلامهما..فقال لهما:أصدقانى..قولا الصدق , ولكنهما أصرا على قولهما , فقال السلطان لمن حوله : أين بيتهما؟ قالوا : لقد نزلا فى مكان قرب الحجرة النبوية الشريفة , فأمسك الملك بهما وذهب الى منزلهما , كى يفتشه بنفسه , لعله يجد شيئا يقوده الى الحقيقة.
أخذ السلطان ينظر فى محتويات المكان الذى يقيمان فيه , فوجد مالا كثيراً , وكتاباً وبعض الأشياء التى لا تثير شكاً ولا ريبة , فأثنى عليهما أهل المدينة , وقالوا للسلطان أنهما يصومان كل يوم , كما أنهما ملازمان للصلوات فى الروضة النبوية الشريفة , وقد حرصا على زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبره , وزيارة البقيع كل يوم بعد صلاة الفجر, كما أنهما يتصدقان بأموال كثيرة , ولا يردَّنَّ سائلاً أبدا , حتى أنهما سدَّا حاجة أهل المدينة فى هذا العام المجدب , الذى قلت فيه الثمار.
تعجب السلطان قائلا:سبحان الله!ولكنه رغم ما سمعه عنهما,الا انه على يقين انهما هما اللذان رآهما فى نومه,ظل يطوف فى بيتهما,وجد حصيرا مفروشا على الارض,رفعه بيده,فكانت المفاجأة التى اذهلت الحاضرين,وجد تحت الحصير سردابا محفورا,ينتهى نحو الحجرة النبوية الشريفة,قال لهما السلطان فى حزم:اصدقائى,فظهر عليهما الخوف والاضطراب,ولكنهما اصرا على الانكار,فضربهما حتى اعترفا بالحقيقة
قالا انهما ليسا مسلمين,بل نصرانيين بعثهما بعض ملوك اوروبا فى ملابس حجاج مغاربة,وقد ارسلوهما باموال كثيرة,وامروهما بالتحايل حتى يصلا الى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم,ومحاولة نقل جسده الشريف,فنزلا فى اقرب مكان للحجرة النبوية الشريفة,اعترفا انهما كانا يحفران ليلا,فيأخذ كل منهما التراب الناتج عن الحفر فى محفظة من الجلد,ضمن زى المغاربة الذى كانا يتنكران فيه,ثم يخرجان الى البقيع كل يوم بعد صلاة الفجر,متظاهرين بزيارة القبور,ثم يلقون تراب الحفر هناك,واستمرا مدة على هذه الحال,فلما اقترب الحفر من الحجرة النبوية الشريفة,ابرقت السماء وارعدت,وارتج المكان حتى ظنا ان الجبال ستنخلع من مكانها,وفى صباح ذلك اليوم,اقبل السلطان ومن معه,فامسك بهما واعترفا بجريمتهما.
بكى نور الدين زنكى بكاء شديدا لان الله تعالى خصه بهذا الامر دون غيره من الناس,ثم امر بضرب عنق كل منهما.
قرر حماية الحجرة النبوية الشريفة,فامر بحفر خندق عميق حولها,ظلوا يحفرون حتى وصلوا الى المياه الجوفية,ثم امر بكميات هائلة من الرصاص,ثم صبه فى الخندق,فاصبحت الحجرة النبوية الشريفة,محاطة بسور من الرصاص كى لا يتمكن احد من الاقتراب منها,ثم عاد نور الدين زنكى بعد ذلك الى الشام,كان ذلك سنة 755 هجرية.
هل تعلم بعدد محاولات سرقة الجثة الطاهرة لمحمد بن عبد الله صلواتالله وسلامه عليه ؟
خمس محاولات عبر التاريخ :
المحاولة الأولى :
في عهد الحاكم بأمر الله العبيدي ، حيث أشار عليه أحد الزنادقة بإحضار جسد الرسول إلى مصر لجذب الناس إليها بدلا من المدينة ،وقاتلهم أهلها وفي اليوم التالي أرسل الله ريحا للمدينة تكاد الأرض تزلزل من قوتها مما منع البغاة من مقصدهم.
المحاولة الثانية :
في عهد نفس الخليفة العبيدي ، حيث أرسل من يسكنون بدار بجوار الحرم النبوي الشريف ويحفر نفقاً من الدار إلى القبر ، وسمع أهل المدينة منادياً صاح فيهم بأن قبر نبيكم ينبش ، ففتشوا الناس فوجدوهم وقتلوهم . ومن الجدير بالذكر أن الحاكم بن عبيد الله ادعى الألوهية سنة 408 هـ
المحاولة الثالثة :
مخطط من ملوك النصارى ونفذت بواسطة اثنان من النصارى المغاربة ، وحمى الله جسد نبيه ، بأن رأى القائد نور الدين زنكي النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول أنجدني ، أنقذني من هذين الرجلين ، ففزع القائد من منامه ، وجمع القضاة وأشاروا عليه بالتوجه للمدينة المنورة ، ووصل إليها حاملاً الأموال إلى أهلها وجمع الناس وأعطاهم الهدايا بعد أن دونت أسمائهم ولم يرى الرجلين وعندما سأل : هل بقي أحد لم يأخذ شيئاً من الصدقة؟ قالوا لا ، قال: تفكروا وتأملوا ، فقالوا لم يبق أحد إلا رجلين مغاربة وهما صالحان غنيّان يكثران من الصدقة،فانشرح صدره وأمر بهما ، فرآهما نفس الرجلين الذين في منامه وسألهما " من أين أنتما؟" قالا:" حجاج من بلاد المغرب " ، قال أصدقاني القول ، فصمما على ذلك فسأل عن منزلهما وعندما ذهب إلى هناك لم يجد سوى أموال وكتباً في الرقائق ، وعندما رفع الحصير وجد نفقا موصلا إلى الحجرة الشريفة ،فارتاعت الناس وبعد ضربهما اعترفا بمخطط ملوك النصارى ، وأنهما قبل بلوغهما القبر ، حصلت رجفة في الأرض ، فقتلا عند الحجرة الشريفة .وأمر نور الدين زنكي ببناء سور حول القبور الشريفة بسور رصاصي متين حتى لا يجرأ أحد على استخدام هذا الأسلوب.
المحاولة الرابعة :
جملة من النصارى سرقوا ونهبوا قوافل الحجيج ، وعزموا على نبش القبر وتحدثوا وجهروا بنياتهم وركبوا البحر واتجهوا للمدينة ، فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والإسكندرية تبعوهم وأخذوهم عن أخرهم ، وأسروا ووزعوا في بلاد المسلمين ..
المحاولة الخامسة:
كانت بنية نبش قبر أبي بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه.وذلك في منتصف القرن السابع من الهجرة ، وحدث أن وصل أربعون رجلا لنبش القبر ليلا فانشقت الأرض وابتلعتهم وأبلغنا بهذا خادم الحرم النبوي آن ذاك وهو صواب الشمس الملطي .
المرجع
"تاريخ المسجد النبوي الشريف"