في
وقت تتواصل فيه جموع المتظاهرين في ميدان التحرير فى مطالبتهم الاصلاحية
جاء نبأ وفاة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة
المصرية السابق يوم الخميس العاشر من فبراير / شباط. وتتزامن تلك
المظاهرات مع تشييع جثمان الفريق الذي اعطى الكثير من أجل وطنه ولم يحصل
على التكريم حتى الآن على الرغم من أنه يعتبر مهندس عملية عبور قناة
السويس في حرب 1973 واقتحام خط بارليف الذي لا يزال يدرس في كبريات
الأكاديميات العسكرية العالمية إلى اليوم كمعجزة عسكرية بكل المقاييس.
والشاذلى
هو الوحيد من قادة حرب أكتوبر الذي لم يتم تكريمه نهائيا, وتم تجاهله في
الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر الذين سلمهم
خلالها الرئيس أنور السادات النياشين والأوسمة، وذلك على الرغم من دوره
الكبير في إعداد القوات المسلحة المصرية, وفى تطوير وتنقيح خطط الهجوم
والعبور، واستحداث أساليب جديدة في القتال وفى استخدام التشكيلات العسكرية
المختلفة، وفى توجيهاته التي تربى عليها قادة وجنود القوات المسلحة
المصرية.
ويرجع البعض عدم تكريم الشاذلي إلى إصرار الراحل على أن يقول
كلمته دون اعتبار للعواقب، فأثناء الثغرة وقت حرب أكتوبر وبعد توقيع
السادات لاتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني كان رأي الشاذلى ضد النظام،
لذلك انتهى به الحال كلاجئ سياسي بالجزائر يدفع ثمن أرائه ومواقفه
الوطنية.
قدرة كبيرة على القيادة
الفريق
الشاذلي من مواليد قرية "شبرتنا" مركز "بسيون" في محافظة الغربية عام 1922
تخرج في الكلية الحربية في يوليو 1940 ضابطًا برتبة ملازم في سلاح المشاة،
منذ بداية حياته العسكرية اكتسب الشاذلي سمعة طيبة في الجيش؛ ومع حلول
العام 1954 ترأس أول كتيبة لقوات المظلات في الجيش المصري، وفي عام 1960
ترأس القوات العربية المتحدة في "الكونغو" ضمن قوات الأمم المتحدة، ثم
عُيّن ملحقًا عسكريًّا في السفارة المصرية بالعاصمة البريطانية لندن (1961
- 1963)؛ وهو ما مكّنه من الاحتكاك بالعقيدة القتالية الغربية، بالإضافة
إلى تكوينه وفق العقيدة القتالية الشرقية التي كانت تعتمدها مصر في تنظيم
قواتها، وأساليب قتالها آنذاك.
على الرغم من المرارة التي تجرعتها
العسكرية المصرية والعربية في حرب يونيو 1967، فإن الشاذلي أظهر تميزًا
نادرًا وقدرة كبيرة على القيادة والسيطرة والمناورة بقواته؛ فقبل بدء
المعركة شكّل الجيش المصري مجموعة من القوات الخاصة (الكوماندوز) لحراسة
منطقة وسط سيناء أسندت قيادتها للشاذلي، وعرفت فيما بعد في التاريخ
العسكري المصري باسم "مجموعة الشاذلي".
ومع بدء المعركة صبيحة 5
يونيو بضرب سلاح الجو المصري، واتخاذ القيادة العامة المصرية قرارها
بالانسحاب، فقد الشاذلي الاتصال مع قيادة الجيش في سيناء، وهنا اتخذ
القرار الأصعب بعد أن شاهد الطيران الإسرائيلي يسيطر تمامًا على سماء
سيناء، فقام بعملية من أروع عمليات المناورة في التاريخ العسكري العربي،
حيث عبر بقواته شرقًا وتخطى الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو، وتمركز
بقواته داخل صحراء النقب الفلسطينية، وعندها ظنه الطيران الإسرائيلي وحدة
تابعة له فلم يهاجمه على الإطلاق.
وبقي الشاذلي في النقب يومين إلى أن تمكن من تحقيق اتصال بالقيادة العامة بالقاهرة التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورًا.
فاستجاب
لتلك الأوامر وقام بعملية انسحاب في ظروف غاية في الصعوبة على أي قائد في
مثل ظروفه، ورغم هذه الظروف لم ينفرط عقد قواته، كما حدث مع وحدات أخرى،
لكنه ظل مسيطرًا عليها بمنتهى الكفاءة إلى أن وصل قبل غروب يوم 8 يونيو
بكامل قواته ومعداته غرب القناة.
خلافات مع الساداتبعد عودة الشاذلي إلى غرب القناة اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري
كله، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة (الصاعقة والمظلات) في الفترة (1967
- 1969)، ثم قائدًا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية (1970 - 1971).
في 16
مايو 1971، أي بعد يوم من إطاحة السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه
بـ"ثورة التصحيح" عين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية،
باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبًا على
أي من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك.
بمجرد وصول
الشاذلي لمنصب رئيس الأركان دخل في خلافات مع الفريق صادق وزير الحربية
حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء ،أنتهت بقبول السادات لخطة الشاذلى
واقالة صادق وعيّن مكانه المشير أحمد إسماعيل الذي كان قد أحيل للتقاعد في
أواخر أيام عبد الناصر.
وأثناء حرب أكتوبر وبسبب الثغرة حدث الخلاف
الأشهر والأكبر بين الفريق الشاذلي من جانب والرئيس السادات والمشير أحمد
إسماعيل وزير الحربية من جانب آخر.. حيث كان رأي الشاذلي أنه يمكن تصفية
الثغرة بسحب 4 لواءات مصرية من الشرق إلي الغرب لزيادة الضغط علي القوات
الإسرائيلية والقضاء عليها نهائيا وكانت وجهة نظر الشاذلي أنها تطبيق
لمبدأ عسكري حديث ومتقدم هو ‘المناورة بالقوات’ حيث لن يوثر هذا الانسحاب
التكتيكي علي وضع القوات المصرية في الشرق. ورفض السادات هذا الرأي ودخل
بعدها في مفاوضات فض الاشتباك.
وفي 21 ديسمبر 1973 قرر السادات عزل
الفريق سعد الدين الشاذلي من منصبه وتعيينه سفيرا لمصر في لندن ثم في
البرتغال، وفي لندن زادت شهرة الفريق الشاذلي حيث دخل في مواجهات كثيرة مع
اللوبي الصهيوني الذي اتهمه بقتل الأسري الإسرائيليين في الحرب.
وعندما
قرر الرئيس السادات الدخول في مفاوضات السلام في كامب ديفيد، وجه لها
انتقادات حادة وهو ما أدي إلي فصله من منصبه فعاش في المنفي عدة سنوات.
كتاب يقود للمحاكمة وفي
الجزائر نشر الفريق الشاذلي كتابه "حرب أكتوبر" الذي أحيل بسببه إلي
المحكمة العسكرية حيث أتهم الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة
على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك
الأولى وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة
استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار
عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة. ووضعت أملاكه تحت
الحراسة, كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية.
وفي
عام 1992 عاد الفريق سعد الدين الشاذلي ليكمل بقية العقوبة بعد 14 سنة
قضاها في المنفي ويدفع ضريبة غالية لحبه لوطنه ولشرف العسكرية الذي طالما
وضعه نصب عينيه .