[color:de1d=#aaa]حجم النص:
ليس
بين الفنانين، قدامى وجدداً وما بينهما، أفضل من الفنان جهاد سعد، في
مقاربته شؤون وهموم وتطلعات المسرح العربي عموماً والسوري تحديداً.
ولم
يكن الأديب الكبير يوسف ادريس أقل جرأة حين وصف سعد بـ "مجنون المسرح
السوري"، الذي على امتداد ما يزيد عن ربع قرن، صال وجال على خشبته اخراجاً
وتمثيلاً وإعداداً، ومثلها في المشهدين السينمائي والتلفزيوني.
وبناء
لهذه التجربة الفنية الطويلة، بات على قناعة لا لبس فيها أن المسرح العربي
أو "قوس أقواس الفنون المشهدية"، كما يسميه في حواره مع "الخيمة" ضحية
سلطة وكتاب وفنانين وجمهور "فالكل شريك في الجريمة، والكل مدعو لعملية
انقاذ قبل انيهار الخشبة على رؤوس الجميع".
*هل أنت حقيقة "مجنون المسرح السوري" بالمعنى الإبداعي كما وصفك الأديب الكبير يوسف ادريس؟ــ
كل فنان صادق، ملتزم وشفاف، مجنون بطريقته الخاصة، ربما عشقي الزائد
للمسرح، كما لاحظ الاديب الكبير بعد مشاهدته بعض اعمالي أو كلها على
الخشبة، حمله لقول ما أعتز به وأعتبره وساماً إضافياً على صدري. لكن الوصف
بالمعنى الابداعي، يحملني اعباء اضافية في ورشة تجديد المسرح السوري
والعودة به الى اصالته وتميزه. تلك مهمة لم ولن أتخلى عنها لأن المسرح
بالنسبة لي كان ويبقى "قوس أقواس الفنون المشهدية".
* ألا ترى نفسك شريكاً بطريقة او بأخرى في ما يعانيه المسرح السوري من انهيار خصوصاً في السنوات الاخيرة؟ــ
حاولت وما زلت لمنع الانزلاق شيئاً فشيئاً الى هذا السقوط تداركاً
للانهيار الكبير. لكن بين كتاب ومخرجين وممثلين نتحمل جزءاً من المسؤولية،
لكن الخطأ الكبير يكمن في لقوانين التي تحكم العمل المسرحي في سوريا. وهنا
أكرر ما سبق أن قلته علناً على الشاشات وفي الصحف وأمام وزارة الثقافة
ونقابة الفنانين، أن العلة الحقيقية تكمن في قوانين بالية مضى عليها الزمن
وما زالت تتحكم بالفنون المشهدية السورية. لقد تأسس المسرح القومي وأنا أحد
أبنائه عام 1960 على الاسس نفسها التي سادت المسرح القومي في المانيا
الشرقية. سقطت هذه الألمانيا، ونحن ما زلنا أسرى هذه القوانين. إذا أردنا
التغيير حقيقة فليس أمامنا سوى ابتداع قوانين تتلاءم مع المسرح السوري
إنتاجاً وتمويلاً وعروضاً وتجهيزات فنية.
* هل تعني تجديد الهيكلية وفق قوانين حديثة تتلاءم مع التطورات الكبيرة التي شهدتها الفنون المسرحية اخيراً؟ــ
ضروري أن ننجز ذلك اليوم قبل الغد. الخلل المسرحي يكاد يكون شاملاً في
البنية وفي هيكلية التنظيم وفي الميزانية. هناك اسس قديمة تعمل بموجبها
مديريات العربية عموماً والسورية خصوصا يجب اقتلاعها من جذورها، وإلا انقضى
على عملية الابداع المطلوبة اليوم اكثر من اي وقت مضى.
* ما هي الخطوة الاولى التي تقترح تنفيذها لتحقيق ما يتطلبه المسرح السوري؟ــ
إرادة التغيير المقرونة بالانجاز وليس فقط بالتمنيات. الواقع عشت وعشرات
الفنانين السوريين سنوات طولة على وعود لم ينفذ منها سوى القليل. النوايا
الحسنة التي تبديها وزارة الثقافة لا تكفي. يجب أن تقترن بالافعال وإلا
تراجعنا خطوة بعد أخرى لانهاء الفعل المسرحي الحقيقي الجاد والمؤثر.
* طالما تملك النية والإرادة فلماذا لا تبادر الى هذه الخطوة الزائدة؟ــ
لقد تلقيت عروضاً اكثر من مرة لأتبوأ منصب مدير للمسارح والموسيقى في
سورية، لكني رفضت اردراكاً مني بعجزي عن القيام بأي خطوة اصلاحية وتطويرية
في ظل الاجواء السائدة، علماً بأنني اعتبر نفسي ابناً شرعياً لوزارة
الثقافة. وكوني هذا الابن فمن حق الابناء على الآباء ببعض المبادرات التي
تؤدي فعلاً الى الاصلاح والانتاج. ما اريد تبيانه أن يداً واحدة لا تصفق
وعلى جميع العاملين في القطاع المسرحي من الوزارة المعنية الى النقابات
والفنيين التوافق على قواسم مشتركة قبل فوات الاوان وحيث لا ينفع حينها
الندم.
* تدعي أنك ابن وزارة الثقافة الشرعي. هل تعني ارتباطك بها رغم الخلل الكبير الذي اصاب "قوس أقواسك" بالصميم؟ــ
لا أنكر فضل وزارة الثقافة على انطلاقتي الفنية، خصوصاً المسرحية. بداية
عملي الفني كانت على خشبة المسرح القومي كممثل في عدة عروض منها "مهاجر
بريسبان" و"المجنون" كما في ظل هذه الوزارة قدمت مسرحية "كاليفولا" كمخرج
للمرة الاولى. لا أنكر ذلك، لكن ارتباطي العاطفي والوجداني والفني بوزارة
الثاقفة لا يعني اسقاطي عنها بعض المسؤوليات التي اوصلت المسرح السوري الى
ما يتخبط به اليوم. إذا أردنا فلا بد من تشخيص الداء أولاً ثم الدواء. ولقد
سبق وأثرت إرادة التغيير أولاً بتغيير الهيكلية المسرحية، ثم اعتماد
قوانين حديثة توفر للعاملين في هذا القطاع ما يؤمن حياتهم اليومية ويقيهم
غدرات الزمن ليبدعوا، الآن البحث عن لقمة العيش والاستقرار يسقط كل إبداع
لدى صاحبه. لقد صبرنا طويلاً وحان الأوان للمبادرة وسوف أكون على رأس ورشة
التغيير كما كثيرون غيري مستمرون بقوة الامر الواقع ليس إلا.
* ألا ترى في المهرجانات المسرحية المدرسية والطلابية خطوة بين خطوات كثيرة للعودة بالمسرح السوري الى سنواته الذهبية؟ــ
أدعم هذه النشاطات التي توليها وزارة الثقافة اهمية تشكر عليها. خصوصا
انها تعوّد الطلاب منذ صغرهم على مشاهدة الاعمال المسرحية. لكن الواقع
الثقيل الظل أن محطات التلفزة العربية وغير العربية تأخذ الطلاب الى مطارح
اخرى اكثر فساداً وانحطاطاً من الحالة المسرحية الراهنة.
* هل من مسؤولية يتحملها الاعلام في هذا الخصوص؟ــ
طبعاً ومسؤولية كبيرة بامتياز. اتطلع الى وسائل الاعلام العربية، المرئية
والمسموعة والمكتوبة، فلا اجد فيها مادة ثقافية أو فنية تستحق القراءة أو
المشاهدة، الامر الذي يساهم اكثر فأكثر في انحطاط الاعمال المشهدية من مسرح
وسينما وتلفزيون. كل ما نراه ونسمعه ونقرأه لا يمت بصلة الى تراثنا
الحضاري الثقافي باستثناء ما ندر.
* بعد ربع قرن من العمل المسرحي والدرامي، كيف تقارب اعمال اليوم بالامس؟ــ
المقارننة لا تجوز ليس في سوريا فحسب، إنما في جميع انحاء العالم. انحدر
المتلقي الى القشور الثقافية. فرغت صالات المسرح والسينما وصارت العيون
معلقة الى الشاشة الصغيرة، ومهمومة بتقنيات التواصل الاجتماعية المختلفة:
انترنت، فايس بوك، يوتيوب، تويتر.... الملهاة الاجتماعية كبيرة، ضاغطة
وميرة، والحضارة المشهدية تكاد تختصر.
* متشائم بما يكفي لتعلن انسحابك من "قوس الأقواس"؟ــ
متشائم بالحاضر والمستقبل. نعم.. لكن انسحابي من "قوس الأقواس" مستحيل.
أمضيت فيه اكثر من نصف عمري وبالتأكيد لن أخون النصف الباقي.