الهياتم اليوم
سورة البقرة (الجزء الرابع ) 13401721
الهياتم اليوم
سورة البقرة (الجزء الرابع ) 13401721
الهياتم اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الهياتم اليوم

أهلا بك يا زائر فى الهياتم اليوم
 
الرئيسيةالرئيسية  الموقع الرسمىالموقع الرسمى  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
للإعلان على الصفحة الرئيسية للمنتدى راسلونا على Hayatemtoday@yahoo.com

أوالإتصال على الرقم 01283953876
                   01201616424
مع تحيات :إداره منتدى الهياتم اليوم
أهلا ومرحبا بكم فى منتدى الهياتم اليوم









 

 سورة البقرة (الجزء الرابع )

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
السفير
المراقب العام
المراقب العام
السفير


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
عدد المساهمات : 9009
نقاط : 16442
ذكر

المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))

سورة البقرة (الجزء الرابع ) Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة (الجزء الرابع )   سورة البقرة (الجزء الرابع ) I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 15, 2010 11:30 pm

[color=brown]
وحكى الرازي عن الإمام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل له باختلاف اللغات والأصوال والنغمات, وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى, فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها, وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها, وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد, فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل, فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع, فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا علي يديه. وعن الشافعي أنه سئل عن وجود الصانع, فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم, وتأكله النحل فيخرج منه العسل وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعراً وروثاً, وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهو شيء واحد, وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال ههنا حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ, ظاهره كالفضة البيضاء, وباطنه كالذهب الإبريز, فبينا هو كذلك إذا انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح, يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد:
تأمل في نبات الأرض وانظرإلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصاتبأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهداتبأن الله ليس له شريك
وقال ابن المعتز:
فيا عجباً كيف يعصى الإلــه أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آيةتدل على أنه واحد
وقال آخرون من تأمل هذه السموات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة ومن الثوابت, وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها, ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب, والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال تعالى: {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك, إنما يخشى الله من عباده العلماء} وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر للمنافع وماذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييج والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء استدل على وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه, عليه توكلت وإليه أنيب, والاَيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جداً.


** وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَىَ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتّقُواْ النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ
ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو, فقال مخاطباً للكافرين: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم فأتوا بسورة من مثل ما جاء به إن زعمتم أنه من عند غير الله فعارضوه بمثل ما جاء به واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله فإنكم لا تستطيعون ذلك, قال ابن عباس: شهداءكم أعوانكم, وقال السدي عن أبي مالك شركاءكم أي قوماً آخرين يساعدونكم على ذلك, أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم, وقال مجاهد وادعوا شهداءكم قال ناس يشهدون به يعني حكام الفصحاء, وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن فقال في سورة القصص {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} وقال في سورة سبحان {قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} وقال في سورة هود: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} وقال في سورة يونس: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا ما استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} وكل هذه الاَيات مكية, ثم تحداهم بذلك أيضاً في المدينة فقال في هذه الاَية {وإن كنتم في ريب ـ أي شك ـ مما نزلنا على عبدنا ـ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ـ فأتوا بسورة من مثله} يعني من مثل القرآن, قاله مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير والطبري والزمخشري والرازي, ونقله عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن البصري, وأكثر المحققين, ورجح ذلك بوجوه من أحسنها أنه تحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم وذلك أكمل من التحدي وأشمل من أن يتحدى آحادهم الأميين ممن لا يكتب ولا يعاني شيئاً من العلوم وبدليل قوله تعالى: {فأتوا بعشر سور مثله} وقوله {لا يأتون بمثله} وقال بعضهم من مثل محمد صلى الله عليه وسلم, يعني من رجل أمي مثله, والصحيح الأول, لأن التحدي عام لهم كلهم مع أنهم أفصح الأمم وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه ومع هذا عجزوا عن ذلك ولهذا قال تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} ولن لنفي التأبيد في المستقبل أي ولن تفعلوا ذلك أبداً وهذه أيضاً معجزة أخرى, وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً مقدماً غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الاَبدين ودهر الداهرين وكذلك وقع الأمر لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن, وأنى يتأتى ذلك لأحد والقرآن كلام الله خالق كل شيء, وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين, ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنوناً ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى, قال الله تعالى: {الر * كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أو بالعكس على الخلاف فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يحاذى ولا يدانى, فقد أخبر عن مغيبات ماضية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء, وأمر بكل خير, ونهى عن كل شر كما قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً} أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام, فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها, كما قيل في الشعر إن أعذبه أكذبه, وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة أو مخافة أو سبع أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئاً إلا قدرة المتكلم المعين على الشيء الخفي أو الدقيق أو إبرازه إلى الشيء الواضح, ثم تجد له فيه بيت أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذر لا طائل تحته, وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلاً وإجمالاً ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير, فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة سواء كانت مبسوطة أو وجيزة وسواء تكررت أم لا, وكلما تكرر حلا وعلا, لا يخلق عن كثرة الرد, ولا يمل منه العلماء, وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات, فما ظنك بالقلوب الفاهمات, وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والاَذان, ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن كما قال في الترغيب {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} وقال: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} وقال في الترهيب: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير} وقال في الزجر: {فكلاً أخذنا بذنبه} وقال في الوعظ: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة, وإن جاءت الاَيات في الأحكام والأوامر والنواهي, اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب, والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء, كما قال ابن مسعود وغيره من السلف, إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنها خير يأمر به أو شر ينهى عنه, ولهذا قال تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الاَية, وان جاءت الاَيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم, بشرت به وحذرت وأنذرت, ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات, وزهدت في الدنيا ورغبت في الاَخرة, وثبتت على الطريقة المثلى, وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم, ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم. ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الاَيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة» ـ لفظ مسلم ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما كان الذي أوتيته وحياً» أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية فإنها ليس معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم, وله عليه الصلاة والسلام من الاَيات الدالة على نبوته وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر ولله الحمد والمنة.
وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصرفة, فقال: إن كان هذا القرآن معجزاً في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته فقد حصل المدعى وهو المطلوب, وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له كان ذلك دليلاً على أنه من عند الله لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك, وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته كما قررنا إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق وبهذه الطريقة أجاب الرازي في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر وإنا أعطيناك الكوثر.
وقوله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} أما الوقود, بفتح الواو, فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه, كما قال تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً} وقال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون} والمراد بالحجارة ههنا هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة, وهي أشد الأحجار حراً إذا حميت أجارنا الله منها, وقال عبد الملك بن ميسرة الزراد عن عبد الرحمن بن سابط بن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {وقودها الناس والحجارة} قال هي حجارة من كبريت, خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين. رواه ابن جرير وهذا لفظه وابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين. وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة, أما الحجارة فهي من كبريت أسود يعذبون به مع النار, وقال مجاهد حجارة من كبريت أنتن من الجيفة, وقال أبو جعفر محمد بن علي حجارة من كبريت, وقال ابن جريج حجارة من كبريت أسود في النار, وقال لي عمرو بن دينار: أصلب من هذه الحجارة وأعظم. وقيل المراد بها حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الاَية, حكاه القرطبي والرازي ورجحه على الأول, قال لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمستنكر فجعلها هذه الحجارة أولى. وهذا الذي قاله ليس بقوي, وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك, ثم أخذ النار بهذه الحجارة أيضاً مشاهد, وهذا الجص يكون أحجاراً فيعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها, وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال تعالى: {كلما خبت زدناهم سعيراً} وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمر ويشتد لهبها قال ليكون ذلك أشد عذاباً لأهلها, قال وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مؤذ في النار» وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف, ثم قال القرطبي وقد فسر بمعنيين, أحدهما أن كل من آذى الناس دخل النار, والاَخر أن كل ما يؤذي في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك.
وقوله تعالى: {أعدت للكافرين} الأظهر أن الضمير في أعدت عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة, ويحتمل عوده إلى الحجارة كما قال ابن مسعود, ولا منافاة بين القولين في المعنى لأنهما متلازمان وأعدت أي رصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله كما قال ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {أعدت للكافرين} أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر, وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الاَية على أن النار موجودة الاَن لقوله تعالى: {أعدت} أي أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها «تحاجت الجنة والنار» ومنها «استأذنت النار ربها فقالت رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف» وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الاَن وصل إلى قعرها» وهو عند مسلم, وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس.
(تنبيه ينبغي الوقوف عليه) قوله تعالى: { فأتوا بسورة من مثله} وقوله في سورة يونس: {بسورة مثله} يعم كل سورة في القرآن طويلة كانت أم قصيرة لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم كما هي في سياق النفي عن المحققين من الأصوليين كما هو مقرر في موضعه, فالإعجاز حاصل في طوال السور وقصارها, وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين الناس سلفاً وخلفاً وقد قال الرازي في تفسيره فإن قيل قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} يتناول سورة الكوثر وسورة العصر, وقل يا أيها الكافرون ونحن نعلم بالضرورة أن الاتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكن فإن قلتم إن الإتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدار البشر كان مكابرة والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة إلى الدين (قلنا) فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني وقلنا إن بلغت هذه السور في الفصاحة حد الإعجاز فقد حصل المقصود, وإن لم يكن كذلك, كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى توهين أمره معجزاً, فعلى التقديرين يحصل المعجز, هذا لفظه بحروفه والصواب أن كل سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة قال الشافعي رحمه الله, لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم {والعصر إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم, فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين ؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي فقال {والعصر إن الإنسان لفي خسر} ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال ولقد أنزل علي مثلها, فقال: وما هو ؟ فقال: يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر, وسائرك حقر فقر, ثم قال كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني لأعلم أنك تكذب.

** وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رّزْقاً قَالُواْ هَـَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال, عطف يذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة, وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح أقوال العلماء كما سنبسطه في موضعه, وهو أن يذكر الإيمان ويتبع بذكر الكفر أو عكسه أو حال السعداء ثم الأشقياء أو عكسه, وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه كما سنوضحه إن شاء الله فلهذا قال تعالى: {وبشر الذين أمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} فوصفها بأنها تجري من تحتها الأنهار أي من تحت أشجارها وغرفها, وقد جاء في الحديث: أن أنهارها تجري في غير أخدود, وجاء في الكوثر أن حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف, ولا منافاة بينها فطينها المسك الأذفر, وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر, نسأل الله من فضله إنه هو البر الرحيم. وقال ابن أبي حاتم: قرأ على الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا أبو ثوبان عن عطاء بن قرة, عن عبد الله بن ضمرة, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهار الجنة تفجر تحت تلال أو من تحت جبال المسك» وقال أيضاً حدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق, قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل المسك.
وقوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل, قال إنهم أُتُوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا, وهكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ونصرة بن جرير, وقال عكرمة {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} قال معناه مثل الذي كان بالأمس, وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد يقولون ما أشبهه به قال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل هذا الذي رزقنا من قبل ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضاً لقوله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} قال سنيد بن داود حدثنا شيخ من أهل المصيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال يؤتى أحدهم بالصفحة من الشيء فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل, فتقول الملائكة كُلْ فاللون واحد والطعم مختلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير, قال عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك, ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها, ثم يؤتون بمثلها, فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفاً به, فتقول لهم الوالدان: كلوا فاللون واحد والطعم مختلف, وهو قول الله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية {وأتوا به متشابهاً} قال: يشبه بعضه بعضاً, ويختلف في الطعم, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وقال ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة, عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} يعني في اللون والمرأى وليس يشتبه في الطعم, وهذا اختيار ابن جرير, وقال عكرمة {وأتوا به متشابهاً} قال يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب, وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس لا يشبه شيئاً مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء, وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء, ورواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} قال يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان, قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وأتوا به متشابهاً يعرفونه وليس هو مثله في الطعم.
وقوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى, وقال مجاهد, من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد, وقال قتادة مطهرة من الأذى والمأثم, وفي رواية عنه لا حيض ولا كلف, وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثني يونس بن عبد الأعلى. أنبأنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, قال: المطهرة التي لا تحيض, قال وكذلك خلقت حواء عليها السلام, فلما عصت قال الله تعالى: إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة ـ وهذا غريب, وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد حدثني حعفر بن محمد بن حرب وأحمد بن محمد الجوري قالا: حدثنا محمد بن عبيد الكندي, حدثنا عبد الرزاق بن عمر البزيعي, حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق. هذا حديث غريب ـ وقد رواه الحاكم في مستدركه عن محمد بن يعقوب بن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن عبيد به, وقال صحيح على شرط الشيخين, وهذا الذي ادعاه فيه نظر, فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البستي: لا يجوز الاحتجاج به (قلت) والأظهر أن هذا من كلام قتادة كما تقدم, والله أعلم.
وقوله تعالى: {وهم فيها خالدون} هذا هو تمام السعادة فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام, والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم, إنه جواد كريم بر رحيم.


** إِنّ اللّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنّهُ الْحَقّ مِن رّبّهِمْ وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللّهُ بِهَـَذَا مَثَلاً يُضِلّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلاّ الْفَاسِقِينَ * الّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
قال السدي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} وقوله: {أو كصيب من المساء} الاَيات الثلاث, قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال, فأنزل الله هذه الاَية إلى قوله تعالى: {هم الخاسرون} وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب, قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران ؟ فأنزل الله {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} وقال سعيد عن قتادة أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئاً مما قل أو كثر, وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا ؟ فأنزل الله {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} (قلت) العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار أن هذه الاَية مكية وليس كذلك, وعبارة رواية سعيد عن قتادة أقرب, والله أعلم. وروى ابن جريج عن مجاهد نحو هذا الثاني عن قتادة. وقال ابن أبي حاتم روي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الاَية قال هذا مثل ضربه الله للدنيا أن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا سمنت ماتت وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا مثل في القرآن إذا امتلؤوا من الدنيا رياً أخذهم الله عند ذلك ثم تلا: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} هذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية بنحوه فالله أعلم, فهذا اختلافهم في سبب النزول. وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي لأنه أمس بالسورة وهو مناسب, ومعنى الاَية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي أي لا يستنكف وقيل لا يخشى أن يضرب مثلاً ما, أي: أيّ مثل كان بأي شيء كان صغيراً كان أو كبيراً وما ههنا للتقليل وتكون بعوضة منصوبة على البدل كما تقول لأضربن ضرباً ما, فيصدق بأدنى شيء أو تكون ما نكرة موصوفة ببعوضة, واختار ابن جرير أن ما موصولة وبعوضة معربة بإعرابها, قال وذلك سائغ في كلام العرب أنهم يعربون صلة ما ومن بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة تارة ونكرة أخرى كما قال حسان بن ثابت:
يكفي بنا فضلاً على من غيرناحب النبي محمد إيانا

قال ويجوز أن تكون بعوضة منصوبة بحذف الجار, وتقدير الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بين بعوضة إلى ما فوقها, وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء وقرأ الضحاك وإبراهيم بن عبلة بعوضة بالرفع, قال ابن جني وتكون صلة لما وحذف العائد كما في قوله {تماماً على الذي أحسن} أي على الذي هو أحسن, وحكى سيبوبه: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً, أي بالذي هو قائل لك شيئاً وقوله تعالى: {فما فوقها} فيه قولان: أحدهما فما دونها في الصغر والحقارة كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك ـ يعني فيما وصفت ـ وهذا قول الكسائي وأبي عبيد قاله الرازي وأكثر المحققين. وفي الحديث «لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء» والثاني: فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة بن دعامة واختيار ابن جرير, فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة» فأخبر أنه لا يستصغر شيئاً يضرب به مثلاً ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة, كما لا يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} وقال: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} وقال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار * يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاَخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} وقال تعالى: {ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء} الاَية, ثم قال: {وضرب الله مثلاً رجلين أحدهم أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} الاَية, كما قال: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم} الاَية. قال: {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون} الاَية. وقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} وفي القرآن أمثال كثيرة, قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله قال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} وقال مجاهد في قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ويهديهم الله بها. وقال قتادة {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه من عند الله, وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك. وقال أبو العالية {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} يعني هذا المثل {وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً} كما قال في سورة المدثر {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً * ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً * كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو} وكذلك قال ههنا {يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين} قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة يضل به كثيراً يعني به المنافقين ويهدي به المؤمنين, فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم لتكذيبهم بما قد علموه حقاً يقيناً من المثل الذي ضربه الله بما ضرب لهم, وأنه لما ضرب له موافق, فذلك إضلال الله إياهم به, ويهدي به يعني المثل كثيراً من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيماناً إلى إيمانهم لتصديقهم بما قد علموه حقاً يقيناً أنه موافق لما ضربه الله له مثلاً وإقرارهم به وذلك هداية من الله لهم به {وما يضل به إلا الفاسقين} قال هم المنافقون, وقال أبو العالية {وما يضل به إلا الفاسقين} قال هم أهل النفاق وكذا قال الربيع بن أنس, وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس {وما يضل به إلا الفاسقين} قال يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به. وقال قتادة {وما يضل به إلا الفاسقين} فسقوا فأضلهم الله على فسقهم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد {يضل به كثيراً} يعني الخوارج. وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال سألت أبي فقلت: قوله تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} إلى آخر الاَية: فقال: هم الحرورية, وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لا أن الاَية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على عليّ بالنهروان, فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الاَية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام, والفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة أيضاً, وتقول العرب فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها, ولهذا يقال للفأرة فويسقة لخروجها عن حجرها للفساد, وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور» فالفاسق يشمل الكافر والعاصي, ولكن فسق الكافر أشد وأفحش, والمراد به من الاَية الفاسق الكافر, والله أعلم بدليل أنه وصفهم بقوله تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون} وهذه الصفات صفات الكفار المبانية لصفات المؤمنين كما قال تعالى في سورة الرعد {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ؟ إنما يتذكر أول الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} الاَيات, إلى أن قال {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه, فقال بعضهم هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم عما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله, ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به.
وقال آخرون بل هي في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم, وعهد الله الذي نقضوه هو ما أخذ الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم, ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك وكتمانهم علم ذلك عن الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه, فأخبر تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً. وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله وهو قول مقاتل بن حيان.
وقال آخرون بل عنى بهذه الاَية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته وعهد إليهم في أمره ونهيه ما حتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثله, الشاهدة لهم على صدقهم, قالوا ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة, وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق. وروي عن مقاتل بن حيان أيضاً نحو هذا وهو حسن, وإليه مال الزمخشري فإنه قال, فإن قلت: فما المراد بعهد الله ؟ قلت: ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه أمرٌ وصّاهم به ووثقه عليهم, وهو معنى قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} إذ أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم كقوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} وقال آخرون: العهد الذي ذكره تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} الاَيتين, ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به, وهكذا روي عن مقاتل بن حيان أيضاً, حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ـ إلى قوله ـ أولئك هم الخاسرون} قال هي ست خصال من المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال, إذا حدثوا كذبوا, وإذا وعدوا أخلفوا, وإذا اؤتمنوا خانوا, ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه, وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل, وأفسدوا في الأرض, وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث: إذا حدثوا كذبوا, وإذا وعدوا أخلفوا, وإذا اؤتمنوا خانوا. وكذا قال الربيع بن أنس أيضاً, وقال السدي في تفسيره بإسناده قوله تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} قال: هو ما عهد إليهم في القرآن, فأقروا به ثم كفروا فنقضوه.
وقوله: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} قيل المراد به صلة الأرحام والقرابات كما فسره قتادة كقوله تعالى {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} ورجحه ابن جرير, وقيل المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه. وقال مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {أولئك هم الخاسرون} قال في الاَخرة, وهذا كما قال تعالى: {أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقال الضحاك عن ابن عباس كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر فإنما يعني به الكفر, وما نسبه إلى أهل الاسلام, فإنما يعني به الذنب. وقال ابن جرير في قوله تعالى {أولئك هم الخاسرون} الخاسرون جمع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته, يقال منه خسر الرجل يخسر الرجل يخسر خسراً وخساراً كما قال جرير بن عطية:
إن سليطاً في الخسار إنهأولاد قوم خلقوا أقنه)



** كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
يقول تعالى محتجاً على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده {كيف تكفرون بالله} أي كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره {وكنتم أمواتاً فأحياكم} أي وقد كنتم عدماً فأخرجكم إلى الوجود كما قال تعالى {أم خلقوا من شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض * بل لا يوقنون} وقال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً} والاَيات في هذا كثيرة, وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {قالوا ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا} قال هي التي في البقرة {وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: كنتم أمواتاً فأحياكم: أمواتاً في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم, قال وهي مثل قوله تعالى: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال كنتم تراباً قبل أن يخلقكم, فهذه ميتة, ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة, ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى, ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى, فهذه ميتتان وحياتان فهو كقوله {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} وهكذا روي عن السدي بسنده عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وعن أبي العالية والحسن ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك, وقال الثوري عن السدي عن أبي صالح {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} قال: يحييكم في القبر ثم يميتكم, وقال ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خلقهم في ظهر آدم ثم أخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة. وذلك كقوله تعالى {قالوا ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} وهذا غريب والذي قبله. والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس وأولئك الجماعة من التابعين وهو كقوله تعالى {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} الاَية, كما قال تعالى في الأصنام {أموات غير أحياء وما يشعرون} الاَية وقال: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون}.


** هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
لما ذكر تعالى دلالة من خلقهم وما يشاهدونه من أنفسهم ذكر دليلاً آخر مما يشاهدونه من خلق السموات والأرض فقال {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} أي قصد إلى السماء. والاستواء ههنا مضمن معنى القصد والإقبال, لأنه عدّي بإلى فسواهن أي فخلق السماء سبعاً, والسماء ههنا اسم جنس فلهذا قال {فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم} أي وعلمه محيط بجميع ما خلق, كما قال: {ألا يعلم من خلق} وتفصيل هذه الاَية في سورة حم السجدة وهو قوله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم} ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولاً ثم خلق السموات سبعاً, وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك, وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره بعد هذا إن شاء الله. فأما قوله تعالى {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعاً لكم ولأنعامكم} فقد قيل إن ثم ههنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر لا لعطف الفعل على الفعل, كما قال الشاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوهثم قد ساد قبل ذلك جده

وقيل إنّ الدحي كان بعد خلق السموات, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, وقد قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم} قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً غير ما خلق قبل الماء, فلما أراد أن يخلق أخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين فخلق الأرض على حوت, والحوت هو الذي ذكره الله في القرآن {ن والقلم} والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح, وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض, فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فالجبال تفخر على الأرض فذلك قوله تعالى {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم} وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها} يقول أنبت شجرها {وقدر فيها أقواتها} لأهلها {في أربعة أيام سواء للسائلين} يقول من سأل فهكذا الأمر {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة, إنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها قال خلق الله في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار والجبال والبرد ومما لا يُعلم, ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة حفظاً تحفظ من الشياطين, فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حيث يقول {خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ويقول {كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي} وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا عبد الله بن صالح حدثني أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن سلام أنه قال: إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين, وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء, وخلق السموات في الخميس والجمعة, وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل, فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} قال خلق الله الأرض قبل السماء فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك حين يقول: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع السموات} قال: بعضهن فوق بعض وسبع أرضين يعني بعضها تحت بعض, وهذه الاَية دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء كما قال في سورة السجدة: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أم كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في ويومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا المساء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم} فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء, وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض, وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها, والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء, وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديماً وحديثاً, وقد حررنا ذلك في سورة النازعات وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دخاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} ففسر الدحي بإخرج ما كان مودعاً فيها بالقوة إلى الفعل لما أكملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض فأخرجت ما كان مودعاً فيها من المياه فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها, وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة, والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الاَية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفيسر أيضاً من رواية ابن جريح, قال أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سملة عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم, وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب, وأن أبا هريرة إنما سمعه من ك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد بسيونى كسبر
The General Manager
The General Manager
محمد بسيونى كسبر


العمر : 37
تاريخ التسجيل : 18/12/2009
عدد المساهمات : 21838
نقاط : 28480
ذكر

القط
المزاج : زملكاوى جداااااااااا
الموقع : هاتلاقينى هناك

سورة البقرة (الجزء الرابع ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء الرابع )   سورة البقرة (الجزء الرابع ) I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 2:20 pm

جزاك الله خيرا يا استاذ وائل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hayatemtoday.7olm.org
السفير
المراقب العام
المراقب العام
السفير


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
عدد المساهمات : 9009
نقاط : 16442
ذكر

المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))

سورة البقرة (الجزء الرابع ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء الرابع )   سورة البقرة (الجزء الرابع ) I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 04, 2011 11:02 pm

ربنا يبارك فيك يا بشمهندس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد الديش
نائب المدير العام
نائب المدير العام
احمد الديش


العمر : 31
تاريخ التسجيل : 19/12/2009
عدد المساهمات : 25531
نقاط : 35491
ذكر

الديك
المزاج : اهلاوى منذ الصغر
الموقع : realahmed85@yahoo.com

سورة البقرة (الجزء الرابع ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء الرابع )   سورة البقرة (الجزء الرابع ) I_icon_minitimeالأربعاء يناير 19, 2011 11:13 am

ربنا يبارك فيك يا استاذ وائل علي تفسيرك الرائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/?ref=home
السفير
المراقب العام
المراقب العام
السفير


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
عدد المساهمات : 9009
نقاط : 16442
ذكر

المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))

سورة البقرة (الجزء الرابع ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء الرابع )   سورة البقرة (الجزء الرابع ) I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 15, 2011 11:03 am

مغلق للاستفادة فقط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
السفير
المراقب العام
المراقب العام
السفير


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
عدد المساهمات : 9009
نقاط : 16442
ذكر

المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))

سورة البقرة (الجزء الرابع ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء الرابع )   سورة البقرة (الجزء الرابع ) I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 15, 2011 11:03 am

مغلق للاستفادة فقط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سورة البقرة (الجزء الرابع )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة (الجزء الرابع العاشر)
» سورة الفاتحة (الجزء الرابع)
» سورة البقرة (الجزء السابع)
» سورة البقرة ( الجزء الاول )
» سورة البقرة ( الجزء الثانى )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الهياتم اليوم :: (¯`·._) (ركن شيوخ الاسلام) (¯`·._) :: تفسير القران الكريم :: الجزء الاول-
انتقل الى: