السفير المراقب العام
تاريخ التسجيل : 03/08/2010 عدد المساهمات : 9009 نقاط : 16439
المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))
| موضوع: سورة البقرة (الجزء التااسع ) الإثنين يناير 03, 2011 12:35 pm | |
| ** وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوَاْ أَتَتّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ يقول تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة, وبيان القاتل من هو بسببها, وإحياء الله المقتول, ونصه على من قتله منهم. ذكر بسط القصة قال: ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا يزيد بن هارون, أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين, عن عبيدة السلماني, قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيماً لا يولد له, وكان له مال كثير, وكان ابن أخيه وارثه, فقتله ثم احتمله ليلاً, فوضعه على باب رجل منهم, ثم أصبح يدعيه حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض. فقال ذوو الرأي منهم والنهي: علام يقتل بعضكم بعضا, وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا موسى عليه السلام, فذكروا ذلك له, فقال {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة, ولكنهم شددوا, فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها, فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها, فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً, فأخذوها بملء جلدها ذهباً, فذبحوها, فضربوه ببعضها, فقام: فقالوا: من قتلك ؟ فقال: هذا ـ لابن أخيه, ثم مال ميتاً, فلم يعطِ من ماله شيئاً, فلم يورث قاتل بعد, ورواه ابن جرير من حديث أيوب, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة بنحو من ذلك, والله أعلم. ورواه عبد بن حميد في تفسيره: أنبأنا يزيد بن هارون به, ورواه آدم بن أبي إياس في تفسيره, عن أبي جعفر هو الرازي, عن هشام بن حسان به, وقال آدم بن أبي إياس في تفسره: أنبأنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} قال: كان رجل من بني إسرائيل, وكان غنياً, ولم يكن له ولد, وكان له قريب, وكان وارثه, فقتله ليرثه, ثم القاه على مجمع الطريق, وأتى موسى عليه السلام فقال له: إن قريبي قتل وأني إلى أمر عظيم, وإني لا أجد أحداً يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله, قال: فنادى موسى في الناس, فقال: أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا يبينه لنا, فلم يكن عندهم علم, فأقبل القاتل على موسى عليه السلام, فقال له: أنت نبي الله, فسل لنا ربك أن يبين لنا, فسأل ربه, فأوحى الله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فعجبوا من ذلك, فقالوا: {أتتخذنا هزوا ؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ؟ قال أنه يقول إنها بقرة لا فارض} يعني لا هرمة {ولا بكر} يعني ولا صغيرة {عوان بين ذلك} أي نصف بين البكر والهرمة {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ؟ قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها} أي صاف لونها {تسر الناظرين} أي تعجب الناظرين {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ؟ إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول} أي لم يذللها العمل {تثير الأرض ولا تسقي الحرث} يعني وليست بذلول, تثير الأرض ولا تسقي الحرث يعني ولا تعمل في الحرث {مسلمة} يعني مسلمة من العيوب {لا شية فيها} يقول: لا بياض فيها {قالوا الاَن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة, استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها, ولكن شددوا على أنفسهم, فشدد الله عليهم, ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: إنا إن شاء الله لمهتدون, لما هدوا إليها أبداً, فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم إلا عند عجوز وعندها يتامى وهي القيمة عليهم, فلما علمت أنه لا يزكو لهم غيرها, أضعفت عليهم الثمن, فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة, وأنها سألت أضعاف ثمنها, فقال موسى: إن الله قد خفف عليكم, فشددتم على أنفسكم, فأعطوها رضاها وحكمها. ففعلوا واشتروها فذبحوها, فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظما منها فيضربوا القتيل, ففعلوا, فرجع إليه روحه, فسمى لهم قاتله, ثم عاد ميتاً كما كان, فأخذ قاتله, وهو الذي كان أتى موسى عليه السلام, فشكا إليه, فقتله الله على أسوأ عمله, وقال محمد بن جرير: حدثني محمد بن سعيد, حدثني أبي, حدثني عمي, حدثني أبي عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله في شأن البقرة, وذلك أن شيخاً من بني إسرائيل على عهد موسى عليه السلام كان مكثراً من المال, وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم, وكان الشيخ لا ولد له, وكان بنو أخيه ورثته فقالوا ليت عمنا قد مات فورثنا ماله, وإنه لما تطاول عيهم ألا يموت عمهم, أتاهم الشيطان فقال لهم: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله, وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته, وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما, وكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين, قيس ما بين القتيل والقريتين, فأيتهما كانت أقرب إليه, غرمت الدية, وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك, وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم, عمدوا إليه فقتلوه, ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها, فلما أصبح أهل المدينة, جاء بنو أخي الشيخ فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم, فوالله لتغرمن لنا دية عمنا, قال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا, وإنهم عمدوا إلى موسى عليه السلام, فلما أتوه, قال بنو أخي الشيخ: عمنا وجدناه مقتولاً على باب مدينتهم, وقال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا, وإن جبرائيل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى عليه السلام, فقال: قل لهم: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فتضربوه ببعضها, وقال السدي: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} قال: كان رجل من بني إسرائيل مكثراً من المال, فكانت له ابنة, وكان له ابن أخ محتاج, فخطب إليه ابن أخيه ابنته, فأبى أن يزوجه, فغضب الفتى وقال: والله لأقتلن عمي ولاَخذن ماله, ولأنكحن ابنته, ولاَكلن ديته, فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل, فقال يا عم, انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلي أن أصيب منها, فإنهم إذا رأوك معي أعطوني فخرج العم مع الفتى ليلاً فملا بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى, ثم رجع إلى أهله, فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه, كأنه لا يدري أين هو, فلم يجده, فانطلق نحوه, فإذا بذلك السبط مجتمعين عليه, فأخذهم وقال: قتلتم عمي, فأدوا إليّ ديته, فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي واعماه, فرفعهم إلى موسى فقضى عليهم بالدية, فقالوا له: يارسول اللهادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه فيؤخذ صاحب القضية, فوالله إن ديته علينا لهينة, ولكن نستحي أن نعير به فذلك حين يقول تعالى: {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون} فقال لهم موسى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} قالوا: نسألك عن القتيل وعمن قتله, وتقول اذبحوا بقرة أتهزأ بنا {قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال ابن عباس: فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم, ولكن شددوا وتعنتوا على موسى, فشدد الله عليهم, فقالوا: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} والفارض: الهرمة التي لا تولد, والبكر التي لم تلد إلا ولداً واحداً, والعوان النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها {فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها} قال: نقي لونها {تسر الناظرين} قال: تعجب الناظرين {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها} من بياض ولا سواد ولا حمرة {قالوا الاَن جئت بالحق} فطلبوها فلم يقدروا عليها, وكان رجل من بني إسرائيل من أبر الناس بأبيه, وإن رجلاً مرّ به معه لؤلؤ يبيعه, وكان أبوه نائماً تحت رأسه المفتاح, فقال له الرجل: تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفاً ؟ فقال له الفتى: كما أنت حتى يستقيظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفاً, قال الاَخر: أيقظ أباك وهو لك بستين ألفاً, فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفاً, وزاد الاَخر على أن ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة ألف, فلما أكثر عليه قال: والله لا أشتريه منك بشيء أبداً, وأبى أن يوقظ أباه, فعوضه الله من ذلك اللؤلؤ أن جعل له تلك البقرة, فمرت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة, وأبصروا البقرة عنده فسألوه أن يبيعهم إياها بقرة ببقرة, فأبى, فأعطوه اثنتين فأبى, فزادوه حتى بلغوا عشراً, فقالوا: والله لا نتركك حتى نأخذها منك, فانطلقوا به إلى موسى عليه السلام, فقالوا: يا نبي الله, إنا وجدناها عند هذا وأبى أن يعطيناها وقد أعطيناه ثمناً, فقال له موسى: أعطهم بقرتك, فقال يا رسول الله, أنا أحق بمالي, فقال: صدقت, وقال للقوم: ارضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهباً, فأبى فأضعفوه له حتى أعطوه وزنها عشر مرات ذهباً, فباعهم إياها وأخذ ثمنها, فذبحوها, قال: اضربوه ببعضها, فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين, فعاش, فسألوه: من قتلك ؟ فقال لهم: ابن أخي, قال: أقتله فآخذ ماله وأنكح ابنته. فأخذوا الغلام فقتلوه, وقال سنيد: حدثنا حجاج هو ابن محمد, عن ابن جريج, عن مجاهد وحجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس ـ دخل حديث بعضهم في حديث بعض ـ, قالوا: إن سبطاً من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس, بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس, فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحداً منهم خارجاً إلا أدخلوه, وإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وأشرف, فإذا لم يرَ شيئاً فتح المدينة, فكانوا مع الناس حتى يمسوا, قال: وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير, ولم يكن له وارث غير أخيه, فطال عليه حياته, فقتله ليرثه, ثم حمله فوضعه على باب المدينة, ثم كمن في مكان هو وأصحابه, قال: فأشرف رئيس المدينة فنظر, فلم يرَ شيئاً ففتح الباب, فلما رأى القتيل رد الباب, فناداه أخو المقتول وأصحابه: هيهات قتلتموه ثم تردون الباب, وكان موسى لما رأى القتل كثيراً في بني إسرائيل كان إذا رأى القتيل بين ظهراني القوم أخذهم فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال حتى لبس الفريقان السلاح ثم كف بعضهم عن بعض, فأتوا موسى, فذكروا له شأنهم, قالوا: يا موسى إن هؤلاء قتلوا قتيلاً ثم ردوا الباب, قال أهل المدينة: يا رسول الله قد عرفت اعتزالنا الشرور, وبنينا مدينة كما رأيت نعتزل شرور الناس, والله ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً, فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة, فقال لهم موسى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم, فيها اختلاف ما, والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل, وهي مما يجوز نقلها, ولكن لا تصدق ولا تكذب, فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا, والله أعلم.
** قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّنَ لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ لاّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّن لّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لّوْنُهَا تَسُرّ النّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّن لّنَا مَا هِيَ إِنّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنّآ إِن شَآءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ لاّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلّمَةٌ لاّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الاَنَ جِئْتَ بِالْحَقّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم, لهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم, ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم, كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد, ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها, قال ابن جرير, حدثنا أبو كريب, حدثنا ثمّام بن علي, عن الأعمش, عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها, ولكنهم شددوا فشدد عليهم ـ اسناد صحيح ـ وقد رواه غير واحد عن ابن عباس, وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد, وقال ابن جريج: قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم, قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد» قال: {إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر} أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل, كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة, وقاله ابن عباس أيضاً, وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك, يقول نصف بين الكبير والصغيرة, وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر, وأحسن ما تكون, وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك, وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها, وقال هشيم, عن جويبر, عن كثير بن زياد, عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية, وقال ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس: من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لا بسها, وذلك قوله تعالى: {تسر الناظرين} وكذا قال مجاهد ووهب ابن منبة: كانت صفراء, وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف, وعن سعيد بن جبير: كانت صفراء القرن والظلف, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا نصر بن علي, حدثنا نوح بن قيس, أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى: {بقرة صفراء فاقع لونها} قال سوداء شديدة السواد, وهذا غريب, والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه {فاقع لونها} وقال عطية العوفي {فاقع لونها} تكاد تسود من صفرتها, وقال سعيد بن جبير {فاقع لونها} قال: صافية اللون. وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه, وقال شريك عن معمر عن ابن عمر {فاقع لونها} قال: صاف, وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس {فاقع لونها} تكاد تسود من صفرتها, وقال سعيد بن جبير {فاقع لونها} صافية اللون, وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه, وقال شريك عن معمر عن ابن عمر {فاقع لونها} شديدة الصفرة, تكاد من صفرتها تبيض, وقال السدي {تسر الناظرين} أي تعجب الناظرين, وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس. وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. وفي التوارة: أنها كانت حمراء , فلعل هذا خطأ في التعريب, أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد, والله أعلم. وقوله تعالى: {إن البقر تشابه علينا} أي لكثرتها, فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا {وإنا إن شاء الله} إذا بينتها لنا {لمهتدون} إليها, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي, حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد, حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان, عن عباد بن منصور, عن الحسن, عن أبي رافع, عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أن بني إسرائيل قالوا {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ما أعطوا أبداً, ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم, ولكن شددوا, فشدد الله عليهم» وهذا حديث غريب من هذا الوجه, وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي, والله أعلم, {قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث} أي إنها ليسن مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية, بل هي مكرمة, حسنة, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة يقول لا عيب فيها, وكذا قال أبو العالية والربيع, وقال مجاهد: مسلمة من الشية, وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها, قال مجاهد: لا بياض ولا سواد, وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ليس فيها بياض, وقال عطاء الخراساني: لا شية فيها, قال لونها واحد بهيم, وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك, وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة, وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى, وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: {إنها بقرة لا ذلول} ليست بمذللة بالعمل, ثم استأنف فقال: {تثير الأرض} أي يعمل عليها بالحراثة, لكنها لا تسقي الحرث, وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث, كذا قرره القرطبي وغيره: {قالوا الاَن جئت بالحق} قال قتادة: الاَن بينت لنا, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال الضحاك, عن ابن عباس: كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا, لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها, يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد, وفي هذا ذم لهم, وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت, فلهذا ما كادوا يذبحونها. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها, وفي هذا نظر, لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي, ورواه العوفي عن ابن عباس, وقال عبيدة ومجاهد وهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنهم اشتروها بمال كثير, وفيه اختلاف, ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك, وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة, أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة, قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير, وهذا إسناد جيد عن عكرمة والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً, وقال ابن جرير, وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ولم يسنده عن أحد, ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة, وفي هذا نظر بل الصواب, والله أعلم, ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه, وبالله التوفيق. (مسألة) استدل بهذه الاَية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تعقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان, كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور من العلماء سلفاً وخلفاً بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها» وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم, إبل الدية في قتل الخطأ, وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث, وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون: لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله, وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.
** وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَىَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ
قال البخاري: {فادّارأتم فيها} اختلفتم وهكذا قال مجاهد قال فيما رواه ابن أبي حاتم, عن أبيه, عن أبي حذيفة, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, إنه قال في قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها} اختلفتم, وقال عطاء الخراساني والضحاك: اختصمتم فيها, وقال ابن جريج {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها} قال: بعضهم: أنتم قتلتموه, وقال آخرون: بل أنتم قتلمتموه, وكذ قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال مجاهد: ما تغيبون, وقال ابن حاتم: حدثنا عمرو بن مسلم البصري, حدثنا محمد بن الطفيل العبدي, حدثنا صدقة بن رستم, سمعت المسيب بن رافع يقول: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله, وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله, وتصديق ذلك في كلام الله {والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها} هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة, فالمعجزة حاصلة به, وخرق العادة به كائن, وقد كان معيناً في نفس الأمر, فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا, ولكنه أبهمه ولم يجى من طريق صحيح عن معصوم بيانه, فنحن نبهمه كما أبهمه الله, ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أحمد بن سنان حدّثنا عفان بن مسلم حدّثنا عبد الواحد بن زياد حدّثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه, قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير, فذبحوها, فضربوه ـ يعني القتيل ـ بعضو منها, فقام تشخب أوداجه دماً, فقالوا له من قتلك ؟ قال: قتلني فلان, وكذا قال الحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنه ضرب ببعضها, وفي رواية عن ابن عباس أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر, قال: أيوب عن ابن سيرين, عن عبيدة: ضربوا القتيل ببعض لحمها, قال معمر: قال قتادة: ضربوه بلحم فخذها فعاش, فقال: قتلني فلان, وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا النضر بن عربي عن عكرمه {فقلنا اضربوه ببعضها} فضرب بفخذها, فقام فقال: قتلني فلان, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وقتادة وعكرمة نحو ذلك. وقال السدي: فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين, فعاش, فسألوه فقال: قتلني ابن أخي, وقال أبو العالية: أمرهم موسى عليه السلام, أن يأخذوا عظماً من عظامها فيضربوا به القتيل, ففعلوا فرجع إليه روحه, فسمى لهم قاتله, ثم عاد ميتاً كما كان, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: فضربوه ببعض آرابها وقيل: بلسانهاوقيل بعجب ذنبها وقوله تعالى: {وكذلك يحيي الله الموتى} أي فضربوه فحيي, ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل, جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حجة لهم على المعاد, وفاصلاً ما كان بينهم من الخصومة والعناد, والله تعالى قد ذكر في هذه السورة مما خلقه من إحياء الموتى في خمسة مواضع {ثم بعثناكم من بعد موتكم} وهذه القصة, وقصة الذي خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت, وقصة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها, وقصة إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة, ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميماً, كما قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبه, أخبرني يعلى بن عطاء, قال سمعت وكيع بن عدس يحدث عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه, قال: قلت يا رسول الله, كيف يحيي الله الموتى ؟ قال: «أما مررت بواد ممحل, ثم مررت به خضراً» ؟ قال بلى. قال: «كذلك النشور» أو قال: «كذلك يحيي الله الموتى» وشاهد هذا قوله تعالى: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون}. (مسألة) استدل لمذهب الإمام مالك في كون قول الجريح: فلان قتلني لوثا بهذه القصة, لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله, فقال فلان قتلني, فكان ذلك مقبولاً منه, لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق, ولا يتهم والحالة هذه, ورجحوا ذلك لحديث أنس أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها, فرضخ رأسها بين حجرين, فقيل: من فعل بك هذا, أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكروا اليهودي, فأومأت برأسها, فأخذ اليهودي, فلم يزل به حتى اعترف, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين, وعن مالك إذا كان لوثاً, حلف أولياء القتيل قسامة, وخالف الجمهور في ذلك, ولم يجعلوا قول القتيل في ذلك لوثا.
** ثُمّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً وَإِنّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَشّقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ يقول تعالى توبيخاً لبني إسرائيل وتقريعاً لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى وإحيائه الموتى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} كله, فهي كالحجارة التي لا تلين أبداً, ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم, فقال: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس: لما ضرب المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط, فقيل له: من قتلك ؟ قال: بنو أخي قتلوني ثم قبض, فقال بنو أخيه حين قبضه الله: والله ما قتلناه فكذبوا بالحق بعد أن رأوه فقال الله ثم قست قلوبكم من بعد ذلك, يعني أبناء أخي الشيخ فهي كالحجارة أو أشد قسوة, فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الاَيات والمعجزات, فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية, ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء وإن لم يكن جارياً, ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله وفيه إدراك لذلك بحسبه, كما قال: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً} وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إنه كان يقول: كل حجر يتفجر منه الماء: أو يتشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل لمن خشية الله نزل بذلك القرآن, وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق {وما الله بغافل عما تعملون} وقال أبو علي الجياني في تفسيره {وإن منها لما يهبط من خشية الله} هو سقوط البرد من السحاب, قال القاضي الباقلاني وهذا تأويل بعيد, وتبعه في استبعاده الرازي, وهو كما قال فإن هذا خروج عن اللفظ بلا دليل, والله أعلم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا هشام ابن عمار, حدثنا الحكم بن هشام الثقفي, حدثني يحيى بن أبي طالب يعني ويحيى بن يعقوب في قوله تعالى: {وإن من الحجارة لما يتفجر من الأنهار} قال: كثرة البكاء {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} قال: قليل البكاء {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال: بكاء القلب من غير دموع العين, وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز, وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله: {يريد أن ينقض} قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة ولا حاجة إلى هذا, فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} وقال: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن} الاَية, وقال: {والنجم والشجر يسجدان} {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله} الاَية, {قالتا أتينا طائعين} {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} الاَية: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله} الاَية, وفي الصحيح «هذا جبل يحبنا ونحبه» وكحنين الجذع المتواتر خبره, وفي صحيح مسلم «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الاَن» وفي صفة الحجر الأسود: إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة, وغير ذلك مما في معناه, وحكى القرطبي قولاً أنها للتخيير أي مثلاً لهذا وهذا وهذا مثل جالس الحسن أو ابن سيرين. وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولاً آخر: إنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب, كقول القائل: أكلت خبزاً أو تمراً, وهو يعلم أيهما أكل, وقال آخر: إنها بمعنى قول القائل: كل حلوا أو حامضاً, أي لا يخرج عن واحد منهما, أي وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين, والله أعلم. (تنبيه) اختلف علماء العربية في معني قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} بعد الاجماع على استحالة كونها للشك, فقال بعضهم: أو: ههنا بمعنى الواو, تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة, كقوله تعالى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} {عذرا أو نذرا} وكما قال النابغة الذبياني: قالت ألا ليتما هذا الحمام لناإلى حمامتنا أو نصفه فقد
تريد ونصفه, قاله ابن جرير, وقال جرير بن عطية: نال الخلافة أو كانت له قدراًكما أتى ربه موسى على قدر
قال ابن جرير: يعني نال الخلافة وكانت له قدراً, وقال آخرون أو ههنا بمعنى بل فتقديره: فهي كالحجارة بل أشد قسوة, وكقوله: {إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية}, {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون}, {فكان قاب قوسين أو أدنى} وقال آخرون: معنى ذلك: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} عندكم حكاه ابن جرير, وقال آخرون: المراد بذلك الإبهام على المخاطب, كما قال أبو الأسود: أحب محمداً حباً شديداًوعباساً وحمزة والوصيافإن يك حبهم رشدا أصبهوليس بمخطىء إن كان غيا وقال ابن جرير: قالوا: ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى رشد, ولكنه أبهم على من خاطبه, قال: وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات, قيل له: شككت ؟ فقال: كلا والله, ثم انتزع بقول الله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين} فقال: أو كان شاكاً من أخبر بهذا من الهادي منهم ومن الضال ؟ وقال بعضهم: معنى ذلك فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين, إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة, وإما أن تكون أشد منها في القسوة. قال ابن جرير ومعنى ذلك على هذا التأويل, فبعضها كالحجارة قسوة, وبعضها أشد قسوة من الحجارة¹ وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره (قلت) وهذا القول الأخير يبقى شبيهاً بقوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} مع قوله: {أو كصيب من السماء} وكقوله: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} مع قوله: {أو كظلمات في بحر لجي} الاَية, أي إن منهم من هو هكذا, ومنهم من هو هكذا, والله أعلم, وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن أيوب حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج حدثنا علي بن حفص حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله, فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب, وإن أبعد الناس من الله: القلب القاسي» رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج صاحب الإمام أحمد به, ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب به, وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم, وروى البزار عن أنس مرفوعاً «أربع من الشقاء: جمود العين, وقساوة القلب, طول الأمل, والحرص على الدنيا».
عدل سابقا من قبل وائل القصاص في الخميس يناير 06, 2011 8:50 am عدل 1 مرات | |
|