السفير المراقب العام
تاريخ التسجيل : 03/08/2010 عدد المساهمات : 9009 نقاط : 16442
المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))
| موضوع: سورة البقرة (الجزء العاشر) الإثنين يناير 03, 2011 12:49 pm | |
| [size=18]** أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوَاْ آمَنّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُوَاْ أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ يقول تعالى: {أفتطمعون} أيها المؤمنون {أن يؤمنوا لكم} أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من الاَيات البينات ما شاهدوه, ثم قست قلوبهم من بعد ذلك: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} أي يتأولونه على غير تأويله {من بعد ما عقلوه} أي فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة {وهم يعلمون} أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله, وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس, أنه قال: ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} وليس قوله: يسمعون التوراة كلهم قد سمعها, ولكن هم الذي سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وقال محمد بن إسحاق, فيما حدثني بعض أهل العلم: أنهم قالوا لموسى: يا موسى, قد حيل بيننا وبين رؤية ربناتعالى فأسمعنا كلامه حين يكلمك, فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى, فقال: نعم, مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا, ثم خرج بهم حتى أتوا الطور, فلما غشيهم الغمام, أمرهم موسى أن يسجدوا, فوقعوا سجوداً, وكلمه ربه, فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا منه ما سمعوا, ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل, فلما جاؤوهم, حرف فريق منهم ما أمرهم به, وقالوا: حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا, قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا خلافاً لما قال الله عز وجل لهم فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم, وقال السدي: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} قال: هي التوراة حرفوها, وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق, وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق, فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام, وقد قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} أي مبلغاً إليه, ولهذا قال قتادة في قوله: {ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه, وقال مجاهد: الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم, وقال أبو العالية: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه, وقال السدي {وهم يعلمون} أي أنهم أذنبوا, وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: {يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} قال: التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها, يجعلون الحلال فيها حراماً والحرام فيها حلالاً, والحق فيها باطلاً والباطل فيها حقاً, إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله, وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق, وإذا جاءهم أحد يسألهم شيئاً ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق, فقال الله لهم: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}. وقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض} الاَية, قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, وعن ابن عباس {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي أن صاحبكم محمد رسول الله, ولكنه إليكم خاصة, وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم, فأنزل الله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} أي تقرون بأنه نبي. وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه. وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا, اجحدوه ولا تقروا به. يقول الله تعالى {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني المنافقين من اليهود, كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا, وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود, آمنوا ثم نافقوا. وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال «لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن» فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا, فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر. وقرأ قول الله تعالى {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره, فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر, فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم, فلم يكونوا يدخلون, وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا, فيقولون: بلى, فإذا رجعوا إلى قومهم, يعني الرؤساء, فقالوا: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} الاَية, وقال أبو العالية {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} قال كانوا يقولون: سيكون نبي فخلا بعضهم ببعض, فقالوا {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} قول آخر في المراد بالفتح, قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله تعالى: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم, فقال: يا إخوان القردة والخنازير, ويا عبدة الطاغوت, فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمداً ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم, قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم, وقال السدي {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب {ليحاجوكم به عند ربكم} هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا, فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به, فقال بعضهم لبعض {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم, وأكرم على الله منكم. وقال عطاء الخراساني {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني بما قضى لكم وعليكم. وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا, وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم. وقوله تعالى: {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} قال أبو العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به, وهم يجدونه مكتوباً عندهم, وكذا قال قتادة, وقال الحسن {إن الله يعلم ما يسرون} قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض, تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم {وما يعلنون} يعني حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: وآمنا. كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.
** وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ * فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَـَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ يقول تعالى: {ومنهم أمّيون} أي ومن أهل الكتاب, قاله مجاهد, والأميون جمع أمي, وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة, قال أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى {لا يعلمون الكتاب} أي لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم: أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة, كما قال تعالى {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون} وقال عليه الصلاة السلام «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث, أي لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب, وقال تبارك وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} وقال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه من جهله بالكتاب دون أبيه. قال: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: قول خلاف هذا, وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس, في قوله تعالى: {ومنهم أميون} قال الأميون: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله, ولا كتاباً أنزله الله, فكتبوا كتاباً بأيديهم, ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله, وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله, ثم قال ابن جرير: وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم, وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب. قلت: ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر, والله أعلم. وقوله تعالى: {إلا أماني} قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا أماني الأحاديث, وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {إلا أماني} يقول إلا قولاً يقولون بأفواههم كذباً. وقال مجاهد إلا كذباً: وقال سنيد عن حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} قال أناس من اليهود, لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً, وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب, أماني يتمنونها, وعن الحسن البصري نحوه, وقال أبو العالية والربيع وقتادة: إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إلا أماني, قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم, قال ابن جرير: والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس, وقال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئاً ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذباً وزوراً, والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه, ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تغنيت ولا تمنيت, يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب, وقيل المراد بقوله إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضاً: أي إلا تلاوة, فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً, واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: {إلا إذا تمنى ـ أي تلا ـ ألقى الشيطان في أمنيته} الاَية, وقال كعب بن مالك الشاعر: تمنى كتاب الله أول ليلةوآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر: تمنى كتاب الله آخر ليلةتمنى داود الكتاب على رسل وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس {لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} أي ولا يدرون ما فيه, وهم يجدون نبوتك بالظن, وقال مجاهد: {وإن هم إلا يظنون} يكذبون وقال قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون بالله الظنون بغير الحق. قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً} الاَية, هؤلاء صنف آخر من اليهود. وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل, والويل: الهلاك والدمار, وهي كلمة مشهورة في اللغة, وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض: سمعت أبا عياض يقول: ويل صديد في أصل جهنم وقال عطاء بن يسار: الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج, عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره» ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد, عن الحسن بن موسى, عن ابن لهيعة, عن دارج به, وقال هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة (قلت) لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى, ولكن الاَفة ممن بعده, وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوع منكر, والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا المثنى, حدثنا إبراهيم بن عبد السلام, حدثنا صالح القشيري, حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة, عن عبد الحميد بن جعفر, عن كنانة العدوي, عن عثمان بن عفان رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} قال «الويل جبل في النار» وهو الذي أنزل في اليهود, لأنهم حرفوا التوراة, زادوا فيها ما أحبوا, ومحوا منها ما يكرهون, ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة ولذلك غضب الله عليهم, فرفع بعض التوراة فقال تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} وهذا غريب أيضاً جداً, وعن ابن عباس: الويل المشقة من العذاب, وقال الخليل بن أحمد: الويل شدة الشر, وقال سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة, وويح لمن أشرف عليها, وقال الأصمعي: الويل تفجع, والويح ترحم, وقال غيره: الويل: الحزن, وقال الخليل: وفي معنى ويل: ويح وويش وويه وويك وويب, ومنهم من فرق بينها, وقال بعض النحاة: إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة لأن فيها معنى الدعاء, ومنهم من جوز نصبها بمعنى: ألزمهم ويلاً (قلت) لكن لم يقرأ بذلك أحد, وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: هم أحبار اليهود, وكذا قال سعيد عن قتادة: هم اليهود, وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة: سألت ابن عباس رضي الله عنه, عن قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: نزلت في المشركن وأهل الكتاب, وقال السدي: كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذوا به ثمناً قليلاً, وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء, وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرؤونه غضاً لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه, وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً, أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم, ولا والله ما رأينا منهم أحداً قط سألكم عن الذي أنزل عليكم, رواه البخاري من طرق عن الزهري, وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها. وقوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} أي فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان والافتراء, وويل لهم مما أكلوا به من السحت, كما قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما {فويل لهم} يقول: فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب, وويل لهم مما يكسبون يقول مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.
** وَقَالُواْ لَن تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مّعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ يقول تعالى إخباراً عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم من أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة, ثم ينجون منها, فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى {قل أتخذتم عند الله عهداً} أي بذلك, فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده, ولكن هذا ما جرى ولا كان, ولهذا أتى بأم التي بمعنى بل, أي بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه, قال محمد بن إسحاق عن سيف بن سليمان, عن مجاهد, عن ابن عباس: أن اليهود كانوا يقولون أن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة, وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} إلى قوله {خالدون} ثم رواه عن محمد, عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بنحوه, وقال العوفي عن ابن عباس {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة, زاد غيره وهي مدة عبادتهم العجل, وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة, وقال الضحاك وقال ابن عباس زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم التي هي نابتة في أصل الجحيم, وقال أعداء الله إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتلك فذلك قوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} يعني الأيام التي عبدنا فيها العجل وقال عكرمة خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة, وسيخلفنا فيها قوم آخرون, تعنون محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رؤوسهم «بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد» فأنزل الله عز وجل {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} الاَية, وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله: حدثنا عبد الرحمن بن جعفر, حدثنا محمد بن محمد بن صخر, حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء, حدثنا ليث بن سعد, حدثني سعيد بن أبي سعيد, عن أبي هريرة, قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم, شاة فيها سم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجمعوا لي من كان من اليهود ههنا» فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أبوكم» ؟ قالوا فلان, قال «كذبتم بل أبوكم فلان» فقالوا: صدقت وبررت, ثم قال لهم «هل أنتم صادقّي عن شيء إن سألتكم عنه» ؟ قالوا نعم يا أبا القاسم, وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أهل النار » ؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبداً» ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟» قالوا: نعم يا أبا القاسم, قال: «هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟» فقالوا: نعم, قال «فما حملكم على ذلك ؟» فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك, وإن كنت نبياً لم يضر, ورواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي من حديث الليث بن سعد بنحوه.
عدل سابقا من قبل وائل القصاص في الإثنين يناير 17, 2011 9:52 pm عدل 2 مرات | |
|