الهياتم اليوم
سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) 13401721
الهياتم اليوم
سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) 13401721
الهياتم اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الهياتم اليوم

أهلا بك يا زائر فى الهياتم اليوم
 
الرئيسيةالرئيسية  الموقع الرسمىالموقع الرسمى  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
للإعلان على الصفحة الرئيسية للمنتدى راسلونا على Hayatemtoday@yahoo.com

أوالإتصال على الرقم 01283953876
                   01201616424
مع تحيات :إداره منتدى الهياتم اليوم
أهلا ومرحبا بكم فى منتدى الهياتم اليوم









 

 سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
السفير
المراقب العام
المراقب العام
السفير


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
عدد المساهمات : 9009
نقاط : 16439
ذكر

المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))

سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر)   سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) I_icon_minitimeالسبت فبراير 12, 2011 10:09 pm

** رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ
يقول تعالى إخباراً عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولا منهم, أي من ذرية إبراهيم, وقدوافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق في تعيين محمد صلوات الله وسلامه عليه رسولاً في الأميين إليهم وإلى سائر الأعجميين من الإنس والجن, كما قال الإمام أحمد: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح, عن سعيد بن سويد الكلبي, عن عبد الأعلى بن هلال السلمي, عن العرباض بن سارية, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني عند الله لخاتم النبيين, وإن آدم لمنجدل في طينته, وسأنبئكم بأول ذلك, دعوة أبي إبراهيم, وبشارة عيسى بي, ورؤيا أمي التي رأت, وكذلك أمهات النبيين يرين» وكذلك رواه ابن وهب والليث وكاتبه عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح وتابعه أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد به, وقال الإمام أحمد أيضاً: أخبرنا أبو النضر, أخبرنا الفرج, أخبرنا لقمان بن عامر, قال: سمعت أبا أمامة قال: قلت يا رسول الله: ما كان أول بدء أمرك ؟ قال «دعوة أبي إبراهيم, وبشرى عيسى بي. ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام» والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم عليه السلام, ولم يزل ذكره في الناس مذكوراً مشهوراً سائراً حتى أفصح باسمه خاتم الأنبياء بني إسرائيل نسباً, وهو عيسى بن مريم عليه السلام, حيث قام في بني إسرائيل خطيباً, وقال {إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} ولهذا قال في هذا الحديث دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم. وقوله: ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام, قيل كان مناماً رأته حين حلمت به, وقصته على قومها, فشاع فيهم واشتهر بينهم, وكان ذلك توطئة وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام, ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله, وبها ينزل عيسى بن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها, ولهذا جاء في الصحيحين «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» وفي صحيح البخاري «وهم بالشام» قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم} يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فقيل له: قد استجيب لك, وهو كائن في آخر الزمان, وكذا قال السدي وقتادة, وقوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب} يعني القرآن, {والحكمة} يعني السنة, قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك وغيرهم, وقيل: الفهم في الدين ولا منافاة, {ويزكيهم} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني طاعة الله وقال محمد بن إسحاق {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال الخير فيفعلوه والشر فيتقوه, ويخبرهم برضا الله عنهم إذا أطاعوه ليستكثروا من طاعته ويجتنبوا ما يسخطه من معصيته, وقوله {إنك أنت العزيز الحكيم} أي العزيز الذي لا يعجزه شيء, وهو قادر على كل شيء الحكيم في أفعاله وأقواله, فيضع الأشياء في محالها لعلمه وحكمته وعدله.

** وَمَن يَرْغَبُ عَن مّلّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ * وَوَصّىَ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيّ إِنّ اللّهَ اصْطَفَىَ لَكُمُ الدّينَ فَلاَ تَمُوتُنّ إَلاّ وَأَنْتُم مّسْلِمُونَ
يقول تبارك وتعالى رداً على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله, المخالف لملة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء, فإنه جرد توحيد ربه تبارك وتعالى فلم يدعو معه غيره ولا أشرك به طرفة عين, وتبرأ من كل معبود سواه خالف في ذلك سائر قومه حتىَ تبرأ من أبيه, فقال {يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين} وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين} وقال تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} وقال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين * شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الاَخرة لمن الصالحين} ولهذا وأمثاله قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} عن طريقته ومنهجه فيخالفها ويرغب عنها {إلا من سفه نفسه} ؟ أي ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلاً, وهو في الاَخرة من الصالحين السعداء, فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته, واتبع طريق الضلالة والغيّ, فأي سفه أعظم من هذا ؟ أم أي ظلم أكبر من هذا ؟ كما قال تعالى: إن الشرك لظلم عظيم, قال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الاَية في اليهود, أحدثوا طريقاً ليست من عند الله, وخالفوا ملة إبراهيم فيما أحدثوه, ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين ابتعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين.

وقوله تعالى {إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} أي أمره الله بالإخلاص والاستسلام والانقياد, فأجاب إلى ذلك شرعاً وقدراً, وقوله {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} أي وصى بهذه الملة, وهي الاسلام لله, أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله {أسلمت لرب العالمين} لحرصهم عليها ومحبتهم لها, حافظوا عليها إلى حين الوفاة, ووصوا أبناءهم بها من بعدهم كقوله تعالى: {وجعلها كلمة باقية في عقبه} وقد قرأ بعض السلف ويعقوب بالنصب عطفاً على بنيه, كأن إبراهيم وصى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضراً ذلك, وقد ادعى القشيري فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم, ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح, والظاهر, والله أعلم, أن إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارة, لأن البشارة وقعت بهما في قوله {فببشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} وقد قرىء بنصب يعقوب ههنا على نزع الخافض, فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة, وأيضاً فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} الاَية, وقال في الاَية الأخرى {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} وهذا يقضي أنه وجد في حياته, وأيضاً فإنه باني بيت المقدس, كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة, وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله, أي مسجد وضع أول ؟ قال: «المسجد الحرام» قلت: ثم أي ؟ قال «بيت المقدس», قلت: كم بينهما ؟ قال «أربعون سنة» الحديث, فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي اعتقد أنه باني بيت المقدس ـ وإنما كان جدّده بعد خرابه وزخرفه ـ وبين إبراهيم أربعين سنة, وهذا مما أنكر على ابن حبان, فإن المدة بينهما تزيد على ألوف السنين, والله أعلم, وأيضاً فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريباً, وهذا يدل على أنه ههنا من جملة الموصين. وقوله {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي أحسنوا في حال الحياة, والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه, فإن المرء يموت غالباً على ما كان عليه, ويبعث على ما مات عليه, وقد أجرى الله الكريم عادته بأنه من قصد الخير وفق له ويسر عليه, ومن نوى صالحاً ثبت عليه. وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وبعمل أهل النار فيما يبدو للناس, وقد قال الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}.

** أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـَهَكَ وَإِلَـَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يقول تعالى محتجاً على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل ـ وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ـ بأن يعقوب لما حضرته الوفاة, وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له, فقال لهم {ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} وهذا من باب التغليب, لأن إسماعيل عمه, قال نحاس: والعرب تسمي العم أباً, نقله القرطبي, وقد استدل بهذه الاَية الكريمة من جعل الجد أباً وحجب به الإخوة, كما هو قول الصديق, حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير, ثم قال البخاري: ولم يختلف عليه, وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين, وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء, وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من السلف والخلف, وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه يقاسم الإخوة, وحكي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف, واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي أبو بوسف ومحمد بن الحسن, ولتقريرها موضع آخر, وقوله {إلهاً واحداً} أي نوحده بالألوهية ولا نشرك به شيئاً غيره, {ونحن له مسلمون} أي مطيعون خاضعون, كما قال تعالى: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون} والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم, كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله ألا أنا فاعبدون}, والاَيات في هذا كثيرة والأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم «نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد» وقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت} أي مضت, {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيراً يعود نفعه عليكم, فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم {ولا تسئلون عما كانوا يعملون} وقال أبو العالية والربيع وقتادة {تلك أمة قد خلت} يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط ولهذا جاء في الأثر «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
** وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد, حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه, فاتبعنا يا محمد تهتد, وقالت النصاري مثل ذلك, فأنزل الله عز وجل {وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا} وقوله {قل بل ملة إبراهيم حنيفا} أي لا نريد ما دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية بل نتبع {ملة إبراهيم حنيفا} أي مستقميا, قاله محمد بن كعب القرظي وعيسى بن جارية, وقال خصيف عن مجاهد مخلصا, وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس حاجاً, وكذا روي عن الحسن والضحاك وعطية والسدي, وقال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته, ويرى أن حجه عليه إن استطاع إليه سبيلا. وقال مجاهد والربيع بن أنس: حنيفاً أي متبعاً. وقال أبو قلابة: الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى أخرهم, وقال قتادة: الحنيفية شهادة أن لا إله إلا الله, يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والخالات والعمات وما حرم الله عز وجل والختان.
** قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا, ونص على أعيان من الرسل, وأجمل ذكر بقية الأنبياء, وأن لا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم كلهم, ولا يكونوا كمن قال الله فيهم {ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا} الاَية, وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار, أخبرنا عثمان بن عمرة, أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن أبي هريرة, قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله». وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بـ {آمنا بالله وما أنزل إلينا} الاَية, والأخرى بـ {آمنا بالله واشهد بأنّا مسلمون}, وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلاً, ولد كل رجل منهم أمة من الناس, فسموا الأسباط. وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل, وقال الزمخشري في الكشاف: الأسباط قبائل بني إسرائيل, وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط ههنا شعوب بني إسرائيل, وما أنزل الله من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم, كما قال موسى لهم {اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً} الاَية, وقال تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً} قال القرطبي: وسموا الأسباط من السبط, وهو التتابع, فهم جماعة, وقيل أصله من السبط, بالتحريك, وهو الشجر, أي في الكثرة بمنزلة الشجر الواحدة سبطة قال الزجاج: ويبين لك أصله ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري, حدثنا أبو نجيد الدقاق, حدثنا الأسود بن عامر, حدثنا إسرائيل عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام, قال القرطبي: والسبط الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد, وقال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله. وقال سليمان بن حبيب: إنما أمرنا أن نؤمن بالتوارة والإنجيل, ولا نعمل بما فيهما. وقال ابن أبي حاتم: اخبرنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري, أخبرنا مؤمل, أخبرنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح, عن معقل بن يسار, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسعكم القرآن».
** فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وّإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
يقول تعالى: فإن آمنوا, يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم, بمثل ما آمنتم به يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب اللهورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم {فقد اهتدوا} أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه {وإن تولوا} أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم {فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله}, أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم {وهو السميع العليم}.
قال ابن أبي حاتم: قرأ عليّ بونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرنا زياد بن يونس, حدثنا نافع بن أبي نعيم, قال: أرسل إلى بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه, قال زياد: فقلت له: إن الناس ليقولون إن مصحفه كان في حجره حين قتل فوقع الدم على {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فقال نافع: بصرت عيني بالدم على هذه الاَية, وقد قدم, وقوله{صبغة الله}, قال الضحاك عن ابن عباس: دين الله, وكذا روي عن مجاهد وأبي العالية وعكرمة وإبراهيم والحسن وقتادة والضحاك وعبد الله بن كثير وعطية العوفي والربيع بن أنس والسدي نحو, ذلك وانتصاب صبغة الله إما على الإغراء كقوله {فطرة الله} أي الزموا ذلك عليكموه, وقال بعضهم: بدلاً من قوله {ملة إبراهيم} وقال سيبويه: هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله {آمنا بالله} كقوله {وعد الله} وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من رواية أشعث بن إسحاق عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال «إن بني إسرائيل قالوا: يا رسول الله, هل يصبغ ربك ؟ فقال: اتقوا الله. فناداه ربه: يا موسى سألوك هل يصبغ ربك ؟ فقل: نعم, أنا أصبغ الألوان: الأحمر والأبيض والأسود, والألوان كلها من صبغي» وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعاً, وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف وهو أشبه إن صح إسناده والله أعلم.
** قُلْ أَتُحَآجّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ * أَمْ تَقُولُونَ إِنّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ * تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
يقول الله تعالى مرشداً نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: {قل أتحاجوننا في الله} أي تناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والإنقياد واتباع أوامره وترك زواجره {وهو ربنا وربكم} المتصرف فينا وفيكم المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي نحن براء منكم ومما تعبدون وأنتم براء منا, كما قال في الاَية الأخرى {فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم * أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} وقال تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني} إلى آخر الاَية, وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم {وحاجّه قومه قال أتحاجوني في الله} إلى آخر الاَية, وقال تعالى: {ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه} الاَية, وقال في هذه الاَية الكريمة {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} أي نحن براء منكم كما أنتم براء منا, ونحن له مخلصون أي في العبادة والتوجه, وثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من ألأنبياء والأسباط, كانوا على ملتهم إما اليهودية وإما النصرانية, فقال: {قل أأنتم أعلم أم الله} يعني بل الله أعلم, وقد أخبر أنهم لم يكونوا هوداً ولا نصارى كما قال تعالى: {وما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين} الاَية والتي بعدها, وقوله {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} قال الحسن البصري: كانوا يقرءون في كتاب الله الذي أتاهم إن الدين الإسلام وإن محمداً رسول الله وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط, كانوا براء من اليهودية والنصرانية فشهدوا لله بذلك, وأقروا على أنفسهم لله, فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك, وقوله {وما الله بغافل عما تعملون} تهديد ووعيد شديد, أي أن علمه محيط بعلمكم وسيجزيكم عليه. ثم قال تعالى: {تلك أمة قد خلت} أي قد مضت, {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم {ولا تسئلون عما كانوا يعملون} وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم, ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا منقادين مثلهم لأوامر اللهواتباع رسله الذين بعثوا مبشرين ومنذرين, فإنه من كفر بنبي واحد, فقد كفر بسائر الرسل ولا سيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين.
** سَيَقُولُ السّفَهَآءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتّبِعُ الرّسُولَ مِمّن يَنقَلِبُ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ
قيل: المراد بالسفهاء ـ ههنا مشركوا العرب, قاله الزجاج, وقيل: أحبار يهود, قاله مجاهد, وقيل: المنافقون, قاله السدي, والاَية عامة في هؤلاء كلهم, واللهأعلم. قال البخاري: أخبرنا أبو نعيم, سمع زهيراً عن أبي إسحاق, عن البراء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً, أو سبعة عشر شهراً, وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت, وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر, وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان يصلي معه, فمر على أهل المسجد وهم راكعون, قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة, فداروا كما هم قبل البيت, وكان الذي مات على القبلة قبل ان تحول قبل البيت رجالا قتلوا لم ندر ما نقول فيهم, فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم} انفرد به البخاري من هذا الوجه, ورواه مسلم من وجه آخر, وقال محمد بن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق, عن البراء, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس, ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله, فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة, وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس, فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} وقال السفهاء من الناس, وهم أهل الكتاب: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها, فأنزل الله {سيقول السفهاء من الناس} إلى آخر الاَية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا الحسن بن عطية, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً, وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة, فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} فأنزل الله {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس, ففرحت اليهود, فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم, فكان يدعو الله وينظر إلى السماء, فأنزل الله عز وجل: {فولوا وجوهكم شطره} أي نحوه, فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة, وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس, فكان بمكة يصلي بين الركنين, فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس, فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما, فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس, قال ابن عباس والجمهور, ثم اختلفهؤلاء, هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره على قولين ؟ وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري: إن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه السلام, والمقصود: إن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة, واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهراً وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليه السلام, فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق, فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأعلمهم بذلك, وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر, كما تقدم في الصحيحين رواية البراء, ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر, وقال: كنت أنا وصاحبي أول من صلى إلى الكعبة, وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم: أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر, وذلك في مسجد بني سلمة, فسمي مسجد القبلتين, وفي حديث نويلة بنت مسلم: أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر, قالت: فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال, ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري, وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر اليوم الثاني, كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما, أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح, إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها, وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به, وإن تقدم نزوله وإبلاغه, لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء, والله أعلم. ولما وقع هذا, حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب, وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك, وقالوا {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} أي قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا ؟ فأنزل الله جوابهم في قوله {قل لله المشرق والمغرب} أي الحكم والتصرف والأمر كله لله {فأينما تولوا فثم وجه الله} و {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله} أي الشأن كله في امتثال أوامر الله, فحيثما وجهنا توجهنا, فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة: فنحن عبيده وفي تصرفه, وخدامه حيثما وجهنا توجهنا, وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وأمته عناية عظيمة إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن, وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في الأرض, إذ هي بناء إبراهيم الخليل عليه السلام ولهذا قال: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.
وقد روى الإمام أحمد عن علي بن عاصم عن حصين بن عبد الرحمن, عن عمرو بن قيس, عن محمد بن الأشعث, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, يعني في أهل الكتاب: «إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها, وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها, وعلى قولنا خلف الإمام: آمين».
وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام, واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم, لأن الجميع معترفون لكم بالفضل, والوسط ههنا الخيار, والأجود كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً, أي خيرها, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه, أي أشرفهم نسباً, ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر, كما ثبت في الصحاح وغيرها: ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً, خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب, كما قال تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يدعى نوح يوم القيامة, فيقال له: هل بلغت ؟ فيقول: نعم, فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد, فيقال لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته, قال فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} قال: والوسط العدل, فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم» رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن أبي صالح, عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك, فيدعى قومه, فيقال: هل بلغكم هذا ؟ فيقولون: لا فيقال له: هل بلغت قومك ؟ فيقول: نعم, فيقال: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته, فيدعى محمد وأمته, فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون: نعم, فيقال: وما علمكم ؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا, فذلك قوله عز وجل {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} قال: عدلاً {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} قال عدلاً. وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم, من حديث عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن المغيرة بن عتيبة بن نباس, حدثني مكاتب لنا عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق, ما من الناس أحد إلا ود أنه منا وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه عز وجل», وروى الحاكم في مستدركه وابن مردويه أيضاً, واللفظ له من حديث مصعب بن ثابت عن محمد بن كعب القرظي عن جابر بن عبد الله قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني مسلمة وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان, لقد كان عفيفاً مسلماً وكان... وأثنوا عليه خيراً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت بما تقول. فقال الرجل: الله يعلم بالسرائر, فأما الذي بدا لنا منه فذاك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت وجبت, ثم شهد جنازة في بني حارثة وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: يا رسول الله بئس المرء كان إن كان لفظاً غليظاً فأثنوا عليه شراً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم: أنت بالذي تقول. فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر, فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت. قال مصعب بن ثابت: فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قرأ {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} ثم قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود أنه قال: أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع بها مرض فهم يموتون موتاً ذريعاً, فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خيراً, فقال: وجبت وجبت, ثم مر بأخرى فأثني عليها شراً, فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين قال, قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة» قال: فقلنا وثلاثة قال: فقال «وثلاثة» قال: فقلنا واثنان: قال «واثنان». ثم لم نسأله عن الواحد. وكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات به. وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى حدثنا أبو قلابة الرقاشي, حدثني أبو الوليد حدثنا نافع بن عمر حدثني أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباءة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بم يا رسول الله ؟ قال: «بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض», ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون, ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمر وشريح عن نافع عن ابن عمر به.
وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه, وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} يقول تعالى: إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس, ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك, ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبه, أي مرتداً عن دينه وإن كانت لكبيرة, أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة, أي وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول, وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه, وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء, وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك بخلاف الذين في قلوبهم مرض, فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكاً كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق, كما قال الله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً ؟ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم}, وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة, وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال البخاري في تفسير هذه الاَية: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها, فتوجهوا إلى الكعبة. وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده أنهم كانوا ركوعاً فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع, وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مثله, وهذا يدل على كمال طاعتهملله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله عز وجل رضي الله عنهم أجمعين.
وقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ما كان يضيع ثوابها عند الله, وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس, فقال الناس: ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه, وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى, أي ليعطيكم أجرهما جميعاً {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} وقال الحسن البصري {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي ما كان الله ليضيع محمداً صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف, {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها فجعلت كلما وجدت صبياً من السبي أخذته فألصقته بصدرها وهي تدور على ولدها, فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه» ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد الديش
نائب المدير العام
نائب المدير العام
احمد الديش


العمر : 31
تاريخ التسجيل : 19/12/2009
عدد المساهمات : 25531
نقاط : 35488
ذكر

الديك
المزاج : اهلاوى منذ الصغر
الموقع : realahmed85@yahoo.com

سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر)   سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) I_icon_minitimeالأحد فبراير 13, 2011 1:30 am

بارك الله فيك يا استاذ وائل علي التفسر الرائع والجميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/?ref=home
السفير
المراقب العام
المراقب العام
السفير


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
عدد المساهمات : 9009
نقاط : 16439
ذكر

المزاج : اهلاوى للابد(( الاهلى فى دمى ))

سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر)   سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر) I_icon_minitimeالأحد فبراير 13, 2011 7:44 am

بارك الله فيك استاذ احمد
وهذا نقل من تفسير ابن كثير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سورة البقرة (الجزء التاسع العاشر)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة (الجزء العاشر )
» سورة البقرة (الجزء العاشر)
» سورة البقرة (الجزء الحادى العاشر)
» سورة البقرة (الجزء الثانى العاشر)
» سورة البقرة (الجزء الثالث العاشر)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الهياتم اليوم :: (¯`·._) (ركن شيوخ الاسلام) (¯`·._) :: تفسير القران الكريم :: الجزء الاول-
انتقل الى: