** بَلَىَ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـَئَتُهُ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُولَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
يقول تعالى: ليس الأمر كما تمنيتم ولا كما تشتهون, بل الأمر أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته وهو من وافى يوم القيامة وليست له حسنة بل جميع أعماله سيئات فهذا من أهل النار, {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي آمنوا بالله ورسوله, وعملوا الصالحات من العمل الموافق للشريعة فهم من أهل الجنة, وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجزبه ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً * ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً} قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة, عن ابن عباس {بلى من كسب سيئة} أي عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط به كفره, فماله من حسنة, وفي رواية عن ابن عباس, قال: الشرك, قال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي وائل وأبي العالية ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه, وقال الحسن أيضاً والسدي: السيئة الكبيرة من الكبائر, وقال ابن جريج, عن مجاهد {وأحاطت به خطيئته} قال: بقلبه, وقال أبو هريرة وأبو وائل وعطاء والحسن {وأحاطت به خطيئته} قال: أحاط به شركه, وقال الأعمش عن أبي رزين عن الربيع بن خيثم {وأحاطت به خطيئته} قال الذي يموت على خطاياه من قبل أن يتوب, وعن السدي وأبي رزين نحوه, وقال أبو العالية ومجاهد والحسن في رواية عنهما, وقتادة والربيع بن أنس {وأحاطت به خطيئته} والموجبة الكبيرة, وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى, والله أعلم. ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا سليمان بن داود, حدثنا عمرو بن قتادة عن عبد ربه, عن أبي عياض, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه «وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مثلاً كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة, فحضر صنيع القوم, فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود, والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً, وأججوا ناراً فأنضجوا ما قذفوا فيها. وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد عن سعيد أو عكرمة, عن ابن عباس {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} أي من آمن بما كفرتم وعمل بما تركتم من دينه, فلهم الجنة خالدين فيها, يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له.
** وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً مّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مّعْرِضُونَ
يذكر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر وأخذه ميثاقهم على ذلك وآنهم تولوا عن ذلك كله, وأعرضوا قصداً وعمداً وهم يعرفونه, ويذكرونه, فأمرهم تعالى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً, وبهذا أمر جميع خلقه, ولذلك خلقهم كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها, وهو حق الله تبارك وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له, ثم بعده حق المخلوقين وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين, ولهذا يقرن تبارك وتعالى بين حقه وحق الوالدين كما قال تعالى: {أن شكر لي ولوالديك إلي المصير} وقال تبارك وتعالى: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} إلى أن قال {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} وفي الصحيحين عن ابن مسعود, قلت: يا رسول الله أيّ العمل أفضل ؟ قال «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي ؟ قال «بر الوالدين» قلت: ثم أي ؟ قال «الجهاد في سبيل الله » ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله من أبر ؟ قال «أمك» قال: ثم من ؟ قال «أمك» قال: ثم من ؟ قال: «أباك» ؟ ثم أدناك ثم أدناك» وقوله تعالى: {لا تعبدون إلا الله} قال الزمخشري خبر بمعنى الطلب وهو آكد, وقيل كان أصله {أن لا تعبدوا إلا الله} ونقل من قرأها من السلف, فحذفت أن فارتفع, وحكي عن أبيّ وابن مسعود أنهما قرآها {لا تعبدوا إلا الله} ونقل هذا التوجيه القرطبي في تفسيره عن سيبوبه. قال: واختاره الكسائي والفراء, قال {واليتامى} وهم الصغار الذين لا كاسب لهم من الاَباء, والمساكين الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم, وسيأتي الكلام على هذه الأصناف عند آية النساء التي أمرنا الله تعالى بها صريحاً في قوله {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} الاَية, وقوله تعالى {وقولوا للناس حسناً} أي كلموهم طيباً, ولينوا لهم جانباً, ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف كما قال الحسن البصري في قوله تعالى {وقولوا للناس حسناً} فالحسن من القول يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلم ويعفو ويصفح, ويقول للناس: حسناً كما قال الله, وهو كل خلق حسن رضيه الله.
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح, حدثنا أبو عامر الخزاز, عن أبي عمران الجوني, عن عبد الله بن الصامت, عن أبي ذر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تحقرن من المعروف شيئاً, وإن لم تجد فالق أخاك بوجه منطلق» وأخرجه مسلم في صحيحه, والترمذي, وصححه من حديث أبي عامر الخزاز واسمه صالح بن رستم به, وناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للناس: حسناً بعدما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل, فجمع بين طرفي الاحسان الفعلي والقولي, ثم أكد الأمر بعبادته والإحسان إلى الناس بالمتعين من ذلك وهو الصلاة والزكاة, فقال {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وأخبر أنهم تولوا عن ذلك كله, أي تركوه وراء ظهروهم وأعرضوا عنه على عمد بعد العلم به إلا القليل منهم, وقد أمر الله هذه الأمة بنظير ذلك في سورة النساء بقوله {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم, إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً} فقامت هذه الأمة من ذلك بما لم تقم به أمة من الأمم قبلها, ولله الحمد والمنة. ومن النقول الغريبة ههنا ما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن خلف العسقلاني, حدثنا عبد الله بن يوسف يعني التنيسي, حدثنا خالد بن صبيح عن حميد بن عقبة, عن أسد بن وداعة: أنه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهودياً ولا نصرانياً إلا سلم عليه, فقيل له: ما شأنك تسلم على اليهودي والنصراني ؟ فقال: إن الله تعالى يقول: {وقولوا للناس حسناً} وهو السلام. قال: وروي عن عطاء الخراساني نحوه (قلت) وقد ثبت في السنة أنهم لا يُبدؤون بالسلام, والله أعلم.
** وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءِكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مّن دِيَارِكُمْ ثُمّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمّ أَنْتُمْ هَـَؤُلآءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مّنْكُمْ مّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىَ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدّونَ إِلَىَ أَشَدّ الّعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ * أُولَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالاَخِرَةِ فَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
يقول تبارك وتعالى منكراً على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة, وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج, وذلك أن الاَوس والخزرج وهم الأنصار كانوا في الجاهلية عباد أصنام, وكانت بينهم حروب كثيرة, وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل: بنو قينقاع, وبنو النضير: حلفاء الخزرج, وبنو قريظة: حلفاء الأوس, فكانت الحرب إذا نشبت بينهم, قاتل كل فريق مع حلفائه, فيقتل اليهودي أعداءه, وقد يقتل اليهودي الاَخر من الفريق الاَخر, وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم, ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال, ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة, ولهذا قال تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} ولهذا قال تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} أي لا يقتل بعضكم بعضاً ولا يخرجه من منزله ولا يظاهر عليه, كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم} وذلك أن اهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة كما قال عليه الصلاة والسلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» وقوله تعالى: {ثم أقررتم وأنتم تشهدون} أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم} الاَية, قال محمد بن إسحاق بن يسار, حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم} الاَية, قال: أنبأهم الله بذلك من فعلهم, وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم, وافترض عليهم فيها فداء أسراهم, فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج والنضير, وقريظة وهم حلفاء الأوس, فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج, وخرجت النضير وقريظة مع الأوس, يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم, والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ولا يعرفون جنة ولا ناراً ولا بعثاً ولا قيامة ولا كتاباً ولا حلالاً ولا حراماً, فإذا وضعت الحرب أوزارها, افتدوا أسراهم تصديقاً لما في التوراة وأخذا به بعضهم من بعض, يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس, ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم, ويطلبون ما أصابوا من دمائهم, وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم يقول الله تعالى ذكره حيث أنبأهم بذلك {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} أي تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا ؟ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة. وقال أسباط عن السدي: كانت قريظة حلفاء الأوس, وكانت النضير حلفاء الخزرج فكانوا يقتتلون في حرب بينهم, فتقاتل بنو قريظة مع حلفائهم النضير وحلفائهم, وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ويغلبونهم, فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها, فإذا أسر رجل من الفريقين كلاهما, جمعوا له حتى يفدوه, فتعيرهم العرب بذلك يقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم, قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم, قالوا فلم تقتلونهم ؟ قالوا: إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا, فذلك حين عيرهم الله تبارك وتعالى فقال تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم} الاَية, وقال أسباط عن السدي عن الشعبي نزلت هذه الاَية في قيس بن الخطيم {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم} الاَية, وقال أسباط عن السدي, عن عبد خير, قال: غزونا مع سليمان بن ربيعة الباهلي بلنجر فحاصرنا أهلها, ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا, واشترى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة, فلما مر برأس الجالوت نزل به, فقال له عبد الله, يا رأس الجالوت, هل لك في عجوز ههنا من أهل دينك تشتريها مني ؟ قال: نعم, قال: أخذتها بسبعمائة درهم, قال: فإني أربحك سبعمائة أخرى, قال: فإني قد حلفت أن لا أنقصها من أربعة آلاف, قال: لا حاجة لي فيها, قال: والله لتشرينها مني أو لتكفرن بدينك الذي أنت عليه, قال: ادن مني, فدنا منه, فقرأ في أذنه مما في التوراة: إنك لا تجد مملوكاً من بني إسرائيل إلا اشتريته, فأعتقه {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم} قال: أنت عبد الله بن سلام ؟ قال: نعم: فجاء بأربعة آلاف, فأخذ عبد الله ألفين, ورد عليه ألفين. وقال آدم بن أبي إياس في تفسيره: حدثنا أبو جعفر يعني الرازي, حدثنا الربيع بن أنس, أخبرنا أبو العالية: أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة, وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب, ولا يفادي من وقع عليه العرب, فقال عبد الله: أما أنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن والذي أرشدت إليه الاَية الكريمة, وهذا السياق ذم اليهود في قيامهم بأمر التوارة التي يعتقدون صحتها ومخالفة شرعها مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة, فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها, ولا يصدقون فيما كتموه من صفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه ومخرجه ومهاجره وغير ذلك من شؤونه التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام, واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم, ولهذا قال تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا} أي بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره {ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم {وما الله بغافل عما تعلمون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاَخرة} أي استحبوها على الاَخرة واختاروها {فلا يخفف عنهم العذاب} أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة {ولا هم ينصرون} أي وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه
** وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىَ أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ
ينعت تبارك وتعالى بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة والاستكبار على الأنبياء, وأنهم إنما يتبعون أهواءهم, فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب وهو التوراة, فحرفوها وبدلوها وخالفوا أوامرها وأولوها, وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته كما قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتابِ الله وكانوا عليه شهداء} الاَية: ولهذا قال تعالى: {وقفينا من بعده بالرسل} قال السدي عن أبي مالك: أتبعنا, وقال غيره: أردفنا والكل قريب كما قال تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم, فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام, ولهذا أعطاه الله من البينات وهي المعجزات, قال ابن عباس من إحياء الموتى, وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله, وإبراء الأسقام, وإخباره بالغيوب, وتأييده بروح القدس وهو جبريل عليه السلام ـ ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به, فاشتد تكذيب بني إسرائيل له, وحسدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في البعض, كما قال تعالى إخباراً عن عيسى: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم} الاَية, فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء أسوأ المعاملة, ففريقاً يكذبونه, وفريقاً يقتلونه, وما ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم, وبالإلزام بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها, فلهذا كان ذلك يشق عليهم فكذبوهم, وربما قتلوا بعضهم, ولهذا قال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون}.
والدليل على أن روح القدس هو جبريل, كما نص عليه ابن مسعود في تفسير هذه الاَية, وتابعه على ذلك ابن عباس ومحمد بن كعب وإسماعيل بن خالد والسدي والربيع بن أنس وعطية العوفي وقتادة مع قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين} ما قال البخاري وقال ابن أبي الزناد, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد, فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيك» فهذا من البخاري تعليقاً, وقد رواه أبو داود في سننه عن ابن سيرين والترمذي, عن علي بن حجر وإسماعيل بن موسى الفزاري, ثلاثتهم, عن أبي عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن أبيه وهشام بن عروة, كلاهما عن عروة, عن عائشة به, قال الترمذي: حسن صحيح, وهو حديث أبي الزناد, وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينه, عن الزهري عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة: أن عمر بن الخطاب مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد, فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك, ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله, أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أجب عني اللهم أيده بروح القدس» فقال: اللهم نعم, وفي بعض الروايات: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لحسان «اهجهم ـ أو هاجهم ـ وجبريل معك» وفي شعر حسان قوله:
وجبريل رسول الله فيناوروح القدس ليس به خفاء
وقال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي, عن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفراً من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا: أخبرنا عن الروح, فقال: «أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبرائيل وهو الذي يأتيني ؟» قالوا: نعم, وفي صحيح ابن حبان, عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها, فاتقوا الله وأجملوا في الطلب». أقوال أخر ـ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا منجاب بن الحارث, حدثنا بشر عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس {وأيدناه بروح القدس} قال: هو الاسم الأعظم الذي كان عيسى يحيي به الموتى. وقال ابن جرير: حدثت عن المنجاب فذكره, وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك, ونقله القرطبي عن عبيد بن عمير أيضاً قال: وهو الاسم الأعظم. وقال ابن أبي نجيح: الروح هو حفظة على الملائكة, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: القدس هو الرب تبارك وتعالى, وهو قول كعب, وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما قالا: القدس: هو الله تعالى, وروحه: جبريل, وهو قول كعب, وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما قالا: القدس: هو الله تعالى, وروحه: جبريل. فعلى هذا يكون القول الأول, وقال السدي: القدس البركة. وقال العوفي عن ابن عباس: القدس: الطهر, وقال ابن جرير حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أنبأنا ابن وهب, قال ابن زيد في قوله تعالى {وأيدناه بروح القدس} قال: أيد الله عيسى بالإنجيل روحاً كما جعل القرآن روحاً, كلاهما روح من الله, كما قال تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} ثم قال ابن جرير: وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال: الروح في هذا الموضع: جبرائيل, فإن الله تعالى أخبر أنه أيد عيسى به كما أخبر في قوله تعالى {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} الاَية, فذكر أنه أيده به, فلو كان الروح الذي أيده به هو الإنجيل, لكان قوله: {إذ أيدتك بروح القدس * وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} تكرير قول لا معنى له, والله سبحانه وتعالى أعز وأجل أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به, (قلت) ومن الدليل على أنه جبرائيل ما تقدم من أول السياق, و لله الحمد, وقال الزمخشري {بروح القدس} بالروح المقدسة, كما تقول: حاتم الجود ورجل صدق ووصفها بالقدس كما قال:{وروح منه} فوصفه بالاختصاص والتقريب تكرمة, وقيل: لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث وقيل بجبريل, قيل بالإنجيل كما قال في القرآن {روحاً من أمرنا} وقيل: باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره فتضمن كلامه قولاً آخر, وهو أن المراد روح عيسى نفسه المقدسة المطهرة, وقال الزمخشري في قوله تعالى: {ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون} إنما لم يقل وفريقاً قتلتم, لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضاً لأنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر وقد قال عليه السلام في مرض موته: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري» (قلت) وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره.
** وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مّا يُؤْمِنُونَ
قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد, عن ابن عباس {وقالوا قلوبنا غلف} أي في أكنة, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {وقالوا قلوبنا غلف} أي لا تفقه: وقال العوفي عن ابن عباس: {وقالوا قلوبنا غلف} هي القلب المطبوع عليها, وقال مجاهد {وقالوا قلوبنا غلف} عليه غشاوة وقال عكرمة: عليها طابع, وقال أبو العالية: أي لا تفقه, وقال السدي يقولون عليه غلاف, وهو الغطاء, وقال عبد الرزاق عن معمر, عن قتادة: فلا تعي ولا تفقه, قال مجاهد وقتادة: وقرأ ابن عباس غلف, بضم اللام, وهو جمع غلاف, أي قولبنا أوعية كل علم فلا نحتاج إلى علمك, قاله ابن عباس وعطاء {بل لعنهم الله بكفرهم} أي طردهم الله وأبعدهم من كل خير {فقليلاً ما يؤمنون} قال قتادة: معناه لا يؤمن منهم إلا القليل {وقالوا قلوبنا غلف} هو كقوله {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله غلف, قال: تقول قلبي في غلاف فلا يخلص إليه مما تقول شيء, وقرأ {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} وهذا الذي رجحه ابن جرير, واستشهد بما روي من حديث عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري, عن حذيفة قال: «القلوب أربعة» فذكر منها «وقلب أغلف مغضوب عليه وذاك قلب الكافر» وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي, أنبأنا أبي, عن جدي, عن قتادة, عن الحسن في قوله: {قلوبنا غلف} قال: لم تختن, هذا القول يرجع معناه إلى ما تقدم من عدم طهارة قلوبهم وأنها بعيدة من الخير. قول آخر ـ قال الضحاك عن ابن عباس {وقالوا قلوبنا غلف} قال: يقولون قلوبنا غلف مملوءة لا تحتاج إلى علم محمد ولا غيره. وقال عطية العوفي عن ابن عباس {وقالوا قلوبنا غلف} أي أوعية للعمل, وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار فيها, حكاه ابن جرير, وقالوا: قلوبنا غلف, بضم اللام, نقلها الزمخشري, أي جمع غلاف, أي أوعية, بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر كما كانوا يمنون بعلم التوراة, ولهذا قال تعالى: {بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون} أي ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها, كما قال في سورة النساء: {وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً} وقد اختلفوا في معنى قوله: {فقليلاً ما يؤمنون} وقوله: {فلا يؤمنون إلا قليلاً} فقال بعضهم: فقليل من يؤمن منهم, وقليل: فقليل إيمانهم بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب, ولكنه إيمان لا ينفعهم لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم, وقال بعضهم: إنما كانوا غير مؤمنين بشيء, وإنما قال: فقليلاً ما يؤمنون وهم بالجميع كافرون, كما تقول العرب: قلما رأيت مثل هذا قط, تريد ما رأيت مثل هذا قط, وقال الكسائي: تقول العرب: من زنى بأرض قلما تنبت, أي لا تنبت شيئاً, حكاه ابن جرير رحمه الله, والله أعلم.
** وَلَمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
يقول تعالى: {ولما جاءهم}, يعني اليهود, {كتاب من عند الله} وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم {مصدق لما معهم} يعني من التوراة, وقوله {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} أي وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم, كما قال محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمرو, عن قتادة الأنصاري, عن أشياخ منهم, قال: فينا والله وفيهم, يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم نزلت هذه القصة يعني: {ولما جاءهم كتاب من عند اللهمصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} قالوا: كنا قد علوناهم قهراً دهراً في الجاهلية, ونحن أهل شرك, وهم أهل كتاب, وهم يقولون: إن نبياً سيبعث الاَن نتبعه قد أظل زمانه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث الله رسوله من قريش واتبعناه كفروا به, يقول الله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} , وقال الضحاك, عن ابن عباس في قوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} قال: يستنصرون, يقولون: نحن نعين محمداً عليهم, وليسوا كذلك بل يكذبون, وقال محمد بن إسحاق: أخبرني محمد بن أبي محمد, أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أن يهوداً كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه, فلما بعثه الله من العرب, كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه, فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة يا معشر يهود, اتقوا الله وأسلموا, فقد كنتم تستفتحون علينا بمحد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته, فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه, ما هو الذي كنا نذكر لكم, فينزل الله في ذلك من قولهم: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم} الاَية, وقال العوفي عن ابن عباس {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} يقول: يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب, يعني بذلك أهل الكتاب, فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم, كفروا به وحسدوه, وقال أبو العالية: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب, يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم. فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ورأوا أنه من غيرهم, كفروا به حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال الله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} وقال قتادة {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} قال: وكانوا يقولون: إنه سيأتي نبي. {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} وقال مجاهد {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} قال: هم اليهود} )